الصحابة

أبو الدحداح رضي الله عنه.. قارض الله

الصحابي أبوالدحداح، هو أبو الدحداح ثابت بن الدحداح بن نعيم الأنصاري، أحد كبار المجاهدين الأنصار وأحد الجنود المجهولة، ولذا لا يعرف نسبه أو أسمه الكامل، ولكن بمواقفه شهد له بالإخلاص وحسن الاسلام.

وعرف عنه أنه كان من المستجيبين لنداء الله، فقد سمع في بداية اسلامه الآية الكريمة ” وقاتلوا في سبيل الله، واعلموا أن الله سميع عليم. من ذا الذي يقرض الله قرضاً حسناً، فيضاعفه له أضعافاً كثيرة، والله يقبض ويبسط ، وإليه ترجعون “، فذهب إلي رسول الله صلي الله عليه وسلم، وسأله يا رسول الله ، أيريد الله تعالى منا القرض؟، قال : نعم يا أبا الدحداح .
فرد : فداك أبي وأمي يا رسول الله، إن الله يستقرضنا وهو غني عن القرض ؟ فقال النبي : نعم، يريد أن يدخلكم الجنة به .

قال أبوالدحداح : فإني أريد أن أقرض ربي قرضاً يضمن لي به ولزوجتي ولصبيتي الجنة؟ قال : نعم. قال : فناولني يدك يا رسول الله. فناوله يده ، فقال : إن لي حديقتين ، إحداهما بالسافلة ، والأخرى بالعالية، والله لا أملك غيرهما، قد جعلتهما قرضاً لله تعالى. فقال له الرسول : اجعل إحداهما لله، والأخرى دعها معيشة لك ولعيالك.
قال أبوالدحداح : فأشهدك يا رسول الله، أني قد جعلت خيرهما لله تعالى، وهو حائط فيه ستمائة نخلة.
فقال النبي : إذن يجزيك الله به الجنة، وانطلق أبوالدحداح إلى زوجته، وهي مع صبيانها في الحديقة ، تدور حول النخل، فبشّرها وأنشد يقول:
هداك ربي واهب الرشاد
إلى سبيل الخير والسداد
بيني من الحائط بالوداد
فقد مضى قرضاً إلى التناد
أقرضته الله على اعتمادي
بالطوع لا منّ ولا ارتداد
والبر لا شك فخير زاد
فارتحلي بالنفس وبالأولاد
ففرحت أم الدحداح ، وقالت : ربح بيعك ، بارك الله لك فيما اشتريت، ثم انشدت تجاوبه بقولها:
بشّرك الله بخير وفرح
مثلك أدّى ما عليه ونصح
فقد متّع الله عيالي ومنح
بالعجوة السوداء، والزهو البلح
والعبد يسعى، وله ما قد كدح
طول الليالي، وعليه ما اجترح
وأقبلت أم الدحداح على صبيانها تخرج ما في أفواههم، وتنفض ما في أكمامهم حتى أقضت إلى الحائط الآخر، فقد أصبح ذلك ملكاً لله، لا حقّ لهم في شيء منه.
ويروى أن النبي – صلى الله عليه وسلم – قال عند ذلك : ” كم من غدق رداح، ودار فياح ، لأبي الدحداح ” .
والغدق النخلة، ورداح : ثقيلة . والفياح : الواسعة. كما روي أنه قال : ” كم من غدق معلق – أي مدلّى أو مذلل – في الجنة لأبي الدحداح” .

وكان من المحبين لتنفيذ أوامر الله بكل إخلاص، وكان يتمني نيل الدرجات العلي، ففي يوم أحد خرج للجهاد في سبيل الله، وسمع أن الرسول صلي الله عليه وسلم قتل في الغزوة، وكانت الحرب شرسة وللكفار بأس شديد، فلم يقلقه هذا أو يجعله يتراجع بل هم بالمسلمين وهو يقاتل “يا معشر الأنصار، إليّ إليّ أنا ثابت بن الدحداح، إن كان محمد قد قتل فإن الله حي لا يموت فقاتلوا عن دينكم، فإن الله مظهركم وناصركم”.

وقيل عنه “كأن أبا الدحداح بهذه الكلمات قد جعله القدر صدًى لهدى الرحمن وصوت القرآن الذي أقبل بعد ذلك” وكان ينادي “وما محمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل، أفإن مات أو قتل انقلبتم على أعقابكم؟ ومن ينقلب على عقبيه فلن يضرّ الله شيئاً، وسيجزي الله الشاكرين. وما كان لنفس أن تموت إلا بإذن الله كتابًا مؤجلاً، ومن يرد ثواب الدنيا نؤته منها، ومن يرد ثواب الآخرة نؤته منها وسنجزي الشاكرين”.

وأيقظت كلماته المقاتلين والمجاهدين فتجمع حوله عدد من الأنصار لقتال المشركين حاملين السلاح، وفي قتاله وبأسه الشديد رأي الكفار وجوب قتاله بقوة فتجمعوا حوله وأصابوه بطعنة قاتلة وأشتسهد علي الفور، ومعه عدد من المهاجرين والأنصار، وحينما علم الرسول صلي الله عليه وسلم صلي عليه وقال ”كم من غدق (نخلة) معلق – أو مدلّى – في الجنة لأبي الدحداح”.

وبالطبع لم يفقد أبو الدحداح حياته بل هو حي يرزق لوفاته شهيداً، وليس هذا فقط بل ضمن مقعده من الجنة بقرضه إلي الله.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

لا نستخدم اعلانات مزعجة ، لطفاً يرجى تعطيل مانع الاعلانات ظهور الاعلانات يساعد موقعنا على الاستمرار وتغطية التكاليف