أمهات مسلمات صنعن التاريخ “1”

الأم هي حجر الأساس إن صلحت صلح الأبناء وإن فسدت فسد الأبناء، ولذلك أولي الأسلام النساء أهمية خاصة لأن بهن ينصلح حال الأمة، وهو ما ظهر بوضوح في الأمهات المسلمات الأوائل الذين ضحوا بكل شئ لإخراج أبناء صالحين للأمة الأسلامية استطاعوا بناء تاريخ طويل من النضال ونشر دين الحق.
ورأي عدد كبير من المستشرقين أن سبب ارتقاء الأمة الاسلامية هي الأمهات اللاتي تمتعن بصفات حميدة وقوية غريبة نقلنها إلي الأبناء، ونستعرض اليوم عدد من الأمهات المسلمات اللذين يمكن اعتبارهم القدوة والمثل، منهم:
1- الخنسـاء تماضر بنت عمرو بن الحـارث:
حينما نتحدث عن القوة لابد أن نذكر اسم الخنساء، فالشاعرة الكبيرة التي رثت أخوها بالقصائد الكبيرة، حفزت أبنائها للجهاد، حيث جمعت أبنائها الأربعة في خيمة قبل لقاء الفرس وقالت لهم “يا بني، أسلمتم طائعين، وهـاجرتم مختارين، والله الذي لا إله إلا هو إنكم بنو امرأة واحدة، ما خنت أباكم ولا فضحت خالكم، ولا هجنت حسبكم ولا غيرت نسبكم!، وتعلمون ما أعده الله للمسلمين من الثواب الجزيل في حرب الكافرين، واعلموا أن الدار الباقية خيرٌ من الدار الفانية يقول تعالي: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ}، فإذا أصبحتم غدا إن شاء الله سالمين، فاغدوا إلي عدوكم متبصرين بالله علي أعدائه منتصرين”.
وذهب أولادها إلي الجهاد في اليوم التالي، ومنيت باستشهاد الأربعة في ذلك اللقاء، فقالت “الحمد لله الذي شرفني بقتلهم، وأرجو من ربي أن يجمعني بهم في مُستقرِ رحمته”.
2- والدة الإمام سفيان الثوري:
الإمام سفيان الثوري أمير مؤمنين الحديث كما أطلق عليه، ويعود الفضل للتربية الحسنة وحب الدين وطلب العلم، وتكفلت أمه بتعليمه وتربيته، ويقول عنها: لما أردت طلب العلم قلت: يا رب لابد لي من معيشة، ورأيت العلم يذهب ويندثر، فقلت: أفرغ نفسي في طلبه، وسألتُ الله الكفاية، فكان من كفاية الله له أن قيَّض له أمه، التي قالت له: “يا بني، اطلب العلم وأنا أكفيك بمغزلي”.
وكانت أمه دائنة النصح والارشاد له كما كانت تحفزه لطلب العلم وتحصيله، وقالت يوماً “أي بني، إذا كتبت عشرة أحـرف، فانظر هل تري في نفسك زيادة في خشيتك وحلمك ووقارك، فإن لم تر ذلك، فاعلم أنها تضرك ولا تنفعك”.
ومن مقولتها تلك للإمام نعرف أنها تفهم جيداً المعني الحقيقي لطلب العلم وهو زيادة خشية الله، فمن تعي ذلك الآن؟.
3- أم الإمـام الشافعي:
كان الإمام الشافعي يتيم الأب، ولكن أمه قررت أن تجعله إماماً للمسلمين فانتقلت من غزة إلي مكة، ليتعلم القرآن وهو في السابعة من عمره، ثم أرسلته للبادية لتعلم اللغة العربية، ثم أصرت علي تعليمه الرماية فكان خبيراً بها، كما حصل علي إجازة الإمام مالك للفتوي في الخامسة عشرة فقط، ولم يكن ذلك مصادفة بل قرار من أمه بأن توصله لمرحلة معينة ونجحت في ذلك بفضل وفائها لدينها.
ويتضح من التاريخ أنها امرأة من طراز خاص، فقد تقدمت للشهادة أمام القاضي مع امرأة أخري فأراد القاضي أن يسأل كل واحدة علي حدة فذكرته بقوله تعالي {أَنْ تَضِلَّ إِحْدَاهُمَا فَتُذَكِّرَ إِحْدَاهُمَا الْأُخْرَى} فانصاع لقولها.
ويذكر في كتب التاريخ أنها طلبت من ابنها أن يعاهدها أن يقول الصدق طيلة عمره، فقالت “أي بني عاهدني على الصدق”، فعاهدها الإمام الشافعي علي ذلك، ويقول الإمام الشافعي لأمه “تعلمت الذل للعلم والأدب للمعلم”، وكان يقصد بذلك حسبما قال أن أمه لم تكن تملك مقابل لتعليمه فكان يساعد الشيوخ علي تعليم الصبيان مقابل تعلمه، وكان يكتب في خلفيات الرسائل القديمة.
4- أم الإمـام مالك بن أنس:
وروي عن أم مالك ابن أنس عن أبنها الإمام مالك أنه قال “كانت أمي تلبسني الثياب، وتعممني وأنا صبي، وتوجهني إلى ربيعة بن أبي عبد الرحمن، وتقول: “يا بني! ائت مجلس ربيعة؛ فتعلم مِن سمته وأدبه، قبل أن تتعلم مِن حديثه وفقهه”.