مواضيع دينية اخرى

الإتقان سبيل الأمم المتحضرة

– ما كان لأي حضارة أن تنهض ، ولا لأي بلد أن يتقدم، ولا لمجتمع أن ينجح، ولا لأسرة أن ترقى ،ولا لفرد أن يفلح، ما لم يأخذوا بهذا المبدأ العظيم الذي جاء به ديننا ألا وهو مبدأ ( الإتقان في كل شيء )
– فالإتقان في المفهوم الإسلامي هدف من أهداف الدين يسمو به المسلم ويرقى به إلى مرضاة الله ، والإتقان ليس هدفًا سلوكيًا فحسب، بل هو ظاهرة حضارية تؤدي إلى رقي الجنس البشري، وعليه تقوم الحضارات، ويعمر الكون، وتنعش الأمم ،وتتقدم الأوطان، و تزدهر ،المجتمعات ،

– والمتدبر فى القران الكريم يجد أن الكون كله خلق بإتقان وإبداع قال تعالى عنه سبحانه :- (( بَدِيعُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ … )) أي مبدعهما على غير مثال سابق .
وقال تعالى { صُنْعَ اللَّهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ } ، أحسنه وجوده وأتقنه، وجعله بديعاً في هيئته ووظيفته على حسب ما تقتضيه حكمته سبحانه وتعالى، ويتجلى إتقان الله -عز وجل- في هذه المخلوقات التي خلقها فلو بحث الباحث المدقق عن خللٍ في خلق الله ما وجد، قال تعالى : { مَا تَرَى فِي خَلْقِ الرَّحْمَنِ مِنْ تَفَاوُتٍ } ؛ لأن كل خلقه الله بحكمة وإتقان ، قال تعالى :- { إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ }

– إن الإتقان في العمل، والاهتمام به ،والمحافظة عليه ، من أهم سمات الشخصية المسلمة، ومن أهم الواجبات العملية التي حث عليها الإسلام، إن الله عز وجل أمر بالاحسان فى كل عمل وإتقان كل عمل وأحب ذلك، فقال -عز وجل-: { وَأَحْسِنُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ } ،الإحسان، هو : الإتقان والإحكام والتجويد، روى البيهقي في الشعب عَنْ عَائِشَةَ رضى الله عنها أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:””إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ إِذَا عَمِلَ أَحَدُكُمْ عَمَلا أَنْ يُتْقِنَهُ””
مجالات الإتقان :
– إن الإسلام يحث على الإتقان في كل عمل يقوم به الإنسان حتى أنه أمر :
1- بإتقان وإحسان الذبح رأفة ورحمة بالطير والحيوان فقال صلى الله عليه وسلم:” ان الله كَتَبَ الْإِحْسَانَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ , فَإِذَا قَتَلْتُمْ فَأَحْسِنُوا الْقِتْلَةَ , وَإِذَا ذَبَحْتُمْ فَأَحْسِنُوا الذِّبْحَةَ , وَلْيُحِدَّ أَحَدُكُمْ شَفْرَتَهُ , وَلْيُرِحْ ذَبِيحَتَهُ “.
2- وأمر بإتقان تكفين الميت فقد مسلم في صحيحه عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم – : ” إِذَا كَفَّنَ أَحَدُكُمْ أَخَاهُ فَلْيُحَسِّنْ كَفَنَهُ “
3- حتى في الدفن واللحد أُمرنا بالإتقان؛ ففي دفن أحد الصحابة جعل رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : « سووا لحد هذا » حتى ظن الناس أنه سنة ، فالتفت إليهم ، فقال : « أما إن هذا لا ينفع الميت ولا يضره ، ولكن الله يحب من العامل إذا عمل أن يحسن » .
– ومن ذلك نرى أن كل إنسان مطالب بأن يتقن عمله دون تقصير أو إهمال:
1- فالموظف ملزم بان يتقن عمله وان يحسنه على الوجه الذي أمر الله تعالى به من حضور و جد ومراعاة ما ألزم به دون نظر إلى محسوبية أو مجاملة أو رشوة ، روى أبو داوود في سننه عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بُرَيْدَةَ ، عَنْ أَبِيهِ ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، قَالَ : ” مَنِ اسْتَعْمَلْنَاهُ عَلَى عَمَلٍ فَرَزَقْنَاهُ رِزْقًا ، فَمَا أَخَذَ بَعْدَ ذَلِكَ فَهُوَ غُلُولٌ ” أَي فهو خيانة وسرقة ،
2- والتاجر ملزم بان يتقن عمله فلا يبيع معيبا إلا بينه كما ارشد رسول الله صلى الله عليه وسلم ، روى مسلم في صحيحه عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ، أَنّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، مَرَّ عَلَى صُبْرَةِ طَعَامٍ فَأَدْخَلَ يَدَهُ فِيهَا ، فَنَالَتْ أَصَابِعُهُ بَلَلًا ، فَقَالَ : ” مَا هَذَا يَا صَاحِبَ الطَّعَامِ ؟ ” ، قَالَ : أَصَابَتْهُ السَّمَاءُ يَا رَسُولَ اللَّهِ ، قَالَ : ” أَفَلَا جَعَلْتَهُ فَوْقَ الطَّعَامِ كَيْ يَرَاهُ النَّاسُ ، مَنْ غَشَّ ، فَلَيْسَ مِنِّي ” نعم ان التاجر المتقن عمله لا يغش الناس
اخرج البيهقي عن أبي هريرة أنه مر بناحية الحرة فإذا رجل يحمل لبنا يبيعه فنظر إليه أبو هريرة فإذا هو قد خلطه بالماء ، فقال له أبو هريرة : ” كيف بك إذا قيل لك يوم القيامة خلص الماء من اللبن ”
كما انه على التاجر المتقن عمله ان لا يطفف كيلا ولا ميزانا، قال تعالى ( وَأَوفُوا الكَيلَ إِذَا كِلتُم وَزِنُوا بِالقِسطَاسِ المُستَقِيمِ ذَلِكَ خَيرٌ وَأَحسَنُ تَأوِيلاً) وتوعد الله المطففين في الكيل والميزان بالويل والثبور ،
قال تعالى : (وَيلٌ لِلمُطَفِّفِينَ * الَّذِينَ إِذَا اكتَالُوا عَلَى النَّاسِ يَستَوفُونَ * وَإِذَا كَالُوهُم أَو وَزَنُوهُم يُخسِرُونَ * أَلا يَظُنُّ أُولَئِكَ أَنَّهُم مَبعُوثُونَ * لِيَومٍ عَظِيمٍ * يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ العَالمِينَ) .
3- كما أن الأجير أو العامل كل ملزم بان يتقن عمله ولا يضيع ما اؤتمن عيه
. روى الطبراني عن زيد بن أسلم قال : مَـرّ ابن عمر براعي غنم فقال : يا راعي الغنم هل مِن مذقة ؟ ( أي شربة لبن ) قال الراعي : ليس ها هنا ربها ( أي صاحبها ) ، فقال ابن عمر : تقول له إذا جاء : أكلها الذئب ! فرفع الراعي رأسه إلى السماء ثم قال : فأين الله ؟ قال ابن عمر : فأنا والله أحق أن أقول فأين الله ، فاشترى ابن عمر الراعي واشترى الغنم فأعتقه وأعطاه الغنم .
فأين الله – غاب مضمونها عن كل مقصر، وكل مهمل، وكل غاش، و كل خائن ،غاب مضمونها عن كثير من التجار ،والعمال، و الصناع ،الم يعلموا ان الله مطلع على أعمالهم ، قال تعالى (أَوَلاَ يَعْلَمُونَ أَنَّ اللّهَ يَعْلَمُ مَا يُسِرُّونَ وَمَا يُعْلِنُونَ) .

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

لا نستخدم اعلانات مزعجة ، لطفاً يرجى تعطيل مانع الاعلانات ظهور الاعلانات يساعد موقعنا على الاستمرار وتغطية التكاليف