الإسلام يحث على الأخوة، وينهى عن كف الأذى

لقد حث الإسلام على والأخوة الإيمانية ، التي تربط الصلة وتوثق العلاقة بين أفراد المجتمع الواحد ، قال تعالى: ( إنما المؤمنون إخوة فأصلحوا بين أخويكم واتقوا الله لعلكم ترحمون ) ، فالمحافظة على الأخوة بين أفراد المجتمع تزرع المودة والألفة بين الجميع ، ومن هنا حرصت شريعة الإسلام كل الحرص على أن يكون المسلم إنسانا نافعا لنفسه ولكل من حوله ، فلا يؤذ أحدا بلسانه ولا بيده ولا يتناول أعراض الناس بما يكرهون ، ولا يجري قبيح الكلام على لسانه ، ولا يسف في القول فيخرج عن دائرة الأدب .
– لذلك فحديثنا في هذا اليوم الطيب الميمون إن شاء الله عن قضية من اخطر القضايا التي تؤرق كثيرا من أبناء المجتمع و التي تسبب الشقاق و التنافر بين أفراد المجتمع إنها قضية الأذى الذي شاع حتى أزكم الأنوف و أصاب الألوف .
فما معنى الأذى ، و ما هي أنواع الأذى ، و ما هي خطورته ، و ما هي صور الأذى في المجتمع ؟ – هذا موضوع اللقاء بإذن رب الأرض و السماء .
أولا : معنى الأَذَى :
الأذى في اللغة هو : الضرر ، وفي التنزيل العزيز قال تعالى مخاطبا المؤمنين : { لَنْ يَضُرُّوكُمْ إلاَّ أَذًى } ، فجعل الأذى من جنس الضرر ومن نوعه .
و الإيذاء( في الشريعة والقانون ) هو : إلحاق الضَّرر بالآخرين بأنفسهم أو بأموالهم أو بأعراضهم .
فالأذى عباد كلمة جارحة تترك أثرا عميقا في نفسية الإنسان ربما لا يندمل مع مرور الليالي و الأيام لذا حرمه الإسلام و جرمه .
ثانيا : أعظم الأذى أذى الله عز وجل .
اعلم بارك الله تعالى فيك : أن الله – تعالى – نفي عن نفسه أن يضره شيء، قال تعالى: {إنهم لن يضروا الله شيئًا} ، وروى مسلم في صحيحه عن أبي ذر – رضي الله عنه – ، عن النَّبيّ – صلى الله عليه وسلم – فيما يروي ، عن ربهِ تَبَاركَ وتعالى ، أنَّهُ قَالَ : ((يَا عِبَادي، إنَّكُمْ لَنْ تَبْلُغوا ضُرِّي فَتَضُرُّوني ، وَلَنْ تَبْلُغُوا نَفعِي فَتَنْفَعُوني ) .
– فليس المقصود من أذى الله عز وجل إلحاق الضرر به تبارك وتعالى – تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا – وحاشاه عز وجل أن يضره شيء ، ولكن المقصود من أذى الله عز وجل : الكذب على الله عز وجل بنسبة الولد و الصاحبة له تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا فهو الواحد الأحد الذي لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوا أحد، قال تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَأَعَدَّ لَهُمْ عَذَاباً مُهِيناً} .
– ومن صور إيذاء الله عز وجل : تكذيبه واتهامه بالعجز وعدم القدرة تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا روى البخاري في صحيحه عن أبي هريرة قال : قال النبي {صلى الله عليه وسلم} يقول الله عز وجل يشتمني ابن آدم وما ينبغي أن يشتمني ويكذبني وما ينبغي له أما شتمه إياي فقوله إن لي ولداً وأما تكذيبه فقوله ليس يعيدني كما بدأني ) .
– وتكون أذية الله عز وجل بسب مخلوقاته كالدهر جاء في (الصحيح) عن أبي هريرة عن النبي، قال: «قال الله تعالى في حديثه القدسي الجليل : يؤذيني ابن آدم، يسب الدهر، وأن الدهر، أقلب الليل والنهار».
ثالثا : من أعظم الأذى كذلك أذى رسوله {صلى الله عليه وسلم}.
– و تنوعت صور الأذية لرسول الله صلى الله عليه وسلم في حياته فقد قالوا عنه مجنون و قالوا ساحر و ضربوه و سبوه و أخرجوه من بلده و حاربوه صلى الله عليه و سلم- و طعن المنافقون في عرضه صلى الله عليه وسلم – فكل هذا من أنواع الأذى الذي نال سيد البشر – صلى الله عليه وسلم – في حياته ، وقد تكفل الله تعالى برد الأذى عنه فقال تعالى : ( إنا كفيناك المستهزئين ) .
– و نهى سبحانه – عن أذيته بعد موته فنهى عن الزواج بزوجاته و عد من يفعل ذلك يؤذي رسوله – صلى الله عليه وسلم – {وَمَا كَانَ لَكُمْ أَنْ تُؤْذُوا رَسُولَ اللَّهِ وَلَا أَنْ تَنْكِحُوا أَزْوَاجَهُ مِنْ بَعْدِهِ أَبَدًا إِنَّ ذَلِكُمْ كَانَ عِنْدَ اللَّهِ عَظِيمًا }
– و من أذيته سبه و شتمه الطعن في سنته و الانتقاص منها كما نرى و نسمع من أقزام الأرض الذين يريدون أن ينالوا من اشرف الشرفاء و إمام الأنبياء – صلى الله عليه و سلم-
– و من أذيته – صلى الله عليه و سلم- الطعن في أصحابه انتقاصهم – رضي الله عنهم أجمعين – روى البخاري ومسلم في صحيحيهما عن أبي هريرة قال :قال رسول الله {صلى الله عليه وسلم} : ( لا تسبوا أصحابي لا تسبوا أصحابي فوالدي نفسي بيده لو أن أحدكم أنفق مثل أحدٍ ذهباً ما أدرك مد أحدهم ولا نصيفه )
رابعا : النهى عن أذى المؤمنين و المؤمنات
– فأما أذية المؤمن فقد عظّم الله أمرها، ورتّب العقوبة عليها فقال تعالى: (وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَاناً وَإِثْماً مُبِيناً) ، والمعنى – كما قال ابن كثير رحمه الله: “أي ينسبون إليهم ما هم براء منه، لم يعملوه ولم يفعلوه، ثم ساق الخبر عن عائشة رضي الله عنها، قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأصحابه: “أي الربا أربى عند الله؟! قالوا: الله ورسوله أعلم، قال: أربى الربا عند الله استحلال عرض امرئ مسلم، ثم قرأ: (وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ).
– ويشتد النهى عن أذى المؤمنين إذا لحقت الأذية الصالحين والأخيار من المؤمنين روى البخاري في صحيحه عن أبي هُرَيْرَةَ، قال: قال رسول اللهِ – صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((إِنَّ اللهَ قال: مَن عَادَى لي وَلِيًّا فَقد آذَنتُه بِالحَرْب)) ، فمن هذا المخذول الذي يتصدَّى لحرب الله، وقد قال سبحانه: ﴿ إِنَّ اللَّهَ يُدَافِعُ عَنِ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ خَوَّانٍ كَفُورٍ ﴾ ؟ وعلى قدر إيمانِ العبد؛ يكون دفاعُ الله تعالى عنه، وإذا ارتقى العبدُ في الإيمان إلى مقام الولاية، تأذَّن الله بالحرب لمن عاداه، وقد يكون المسلمُ الضعيف المغمور وليًّا، وأنت لا تدري، فاحذر من أذيَّة من تولَّى الله الدفاعَ عنهم .
– وإنما نهى الإسلام عن الأذى حتى لا يؤدي ذلك إلى وقوع العداوة والبغضاء بين أفراد المجتمع وقطع أواصر المحبة والمودة بينهم ؛ لذلك نهى الإسلام عن كل ما من شأنه أن يؤدي إلى زرع الفتن والبغضاء بين المسلمين ، روى مسلم في صحيحه عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( لا تحاسدوا ولا تناجشوا ولا تباغضوا ولا يبيع أحدكم على بيع بعض وكونوا عباد الله إخوانا ، المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا ولا يخذله ولا يحقره ، التقوى ههنا وأشار بيده إلى صدره ( ثلاثا ) ، بحسب ابن آدم من الشر أن يحقّر أخاه المسلم ، كل المسلم على المسلم حرام دمه وماله وعرضه ) .
– وعلق الإسلام كمال الإيمان بمحبة المسلمين وحب الخير لهم وعدم إيذائهم ، جاء في الحديث المتفق على صحته عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه ) .
بل إن النبي –صلى الله عليه وسلم اخبرنا ان الذين يؤذون المسلمين و المسلمات لم يدخل الإيمان في قلوبهم ، روى الترمذي مرفوعا عن ابن عمر قال : رسول الله صلى الله عليه و سلم هذا المنبر فنادى بصوت رفيع وقال : ( يا معشر من أسلم بلسانه ولم يدخل الإيمان قلبه لا تؤذوا المسلمين ولا تعيروهم ولا تطلبوا عثراتهم فإنه من يطلب عورة المسلم يطلب الله عورته ومن يطلب الله عورته يفضحه ولو في جوف بيته )
1- و من أذية المؤمنين سفك دمائهم بغير حق فان ذلك من اعظم الموبقات بل لزوال الدنيا اهون عند الله من إراقة دم امرئ أَخرج مسلم النسائي ، والترمذي عن عبد الله بن عمرو – رضي الله عنهما – : أَنَّ رسولَ الله -صلى الله عليه وسلم- قال : «لَزَوَالُ الدُّنيا أَهْونُ على الله مِن قتلِ رجل مسلم»
2- ومن صور إيذاء المسلمين : المشقة على الناس وإلحاق الضرر بهم ، روى أبو داود وصححه الحاكم عن أَبِى صِرْمَةَ صَاحِبِ النَّبِىِّ -صلى الله عليه وسلم- – عَنِ النَّبِىِّ -صلى الله عليه وسلم- أَنَّهُ قَالَ « مَنْ ضَارَّ أَضَرَّ اللَّهُ بِهِ وَمَنْ شَاقَّ شَاقَّ اللَّهُ عَلَيْهِ »
وقد دعا النبي صلى الله عليه وسلم على من شق على أمته، روى مسلم عن عائشة رضي الله عنها ، قالت : سَمِعْتُ رسول الله – صلى الله عليه وسلم – ، يقول في بيتي هَذَا : (( اللَّهُمَّ مَنْ وَلِيَ مِنْ أمْرِ أُمَّتِي شَيْئاً فَشَقَّ عَلَيْهِمْ ، فاشْقُقْ عَلَيْهِ ، وَمَنْ وَلِيَ مِنْ أَمْرِ أُمَّتِي شَيْئاً فَرَفَقَ بِهِمْ ، فَارفُقْ بِهِ )) .
ومن نكل بهم أو عذبهم بغير حق فإن الله معذبه روى مسلم عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ أَنَّ هِشَامَ بْنَ حَكِيمِ بْنِ حِزَامٍ وَجَدَ رَجُلاً وَهُوَ عَلَى حِمْصَ يُشَمِّسُ نَاسًا مِنَ النَّبَطِ فِى أَدَاءِ الْجِزْيَةِ فَقَالَ مَا هَذَا سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- يَقُولُ « إِنَّ اللَّهَ يُعَذِّبُ الَّذِينَ يُعَذِّبُونَ النَّاسَ فِى الدُّنْيَا »
3- ومن صور أذيَّة المسلمين مضايقتهم في طرقاتهم وأماكنِهم العامَّة، ورَمْي النفايات فيها بلا مبالاة ولا احترام، ورفع أصوات الأغاني في السيَّارات كما يفعله بعض الشباب أصلحَهم الله عن أَبي هريرة – رضي الله عنه – : أنَّ رَسُولَ اللهِ – صلى الله عليه وسلم – قَالَ : (( اتَّقُوا اللاَّعِنَيْنِ )) قالوا : وَمَا اللاَّعِنَانِ ؟ قَالَ : (( الَّذِي يَتَخَلَّى في طَرِيقِ النَّاسِ أَوْ في ظِلِّهِمْ )) . رواه مسلم.
4- ومن أعظم الأذى أن يكون لسان المسلم سفاحا يلعن المسلمين ويكفرهم ويبدعهم ويفسقهم لأدنى شبهة وأقرب مخالفة لمذهبه روى البخاري عَبْدِ اللهِ بْنِ مَسْعودٍ أَنَّ النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: سِبَابُ الْمُسْلِم فُسُوقٌ وَقِتالُهُ كُفْرٌ” .
5- وحذر من التكفير جاء في الحديث المتفق على صحته عن أبي ذرٍّ – رضي الله عنه – : أنَّه سَمِعَ رسُولَ اللهِ – صلى الله عليه وسلم – ، يقولُ : (( مَنْ دَعَا رَجُلاً بالكُفْرِ ، أو قالَ : عَدُوَّ اللهِ ، وَلَيْسَ كَذلكَ إلاَّ حَارَ عَلَيْهِ )) .. ومعنى حار عليه رجع عليه ما قال
6- كثرة الوقوع في أعراض المسلمين، والافتراء والكذب عليهم ، وإلصاق التهم الباطلة بهم، هو مما ينافي حقوق الأخوة ، وهو انتهاكٌ صَرِيحٌ لِحُدُودِ الله وحُرُمَاتِهِ تبارك وتعالى؛ فالتَّساهُلُ في هذا الأمر جريمةٌ لا تُغْتَفَرُ حتى يتوبَ منها المؤمن ويرجِعَ إلى الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى , ولا بد أيضاً أن يتحلل منه ، روى البخاري عن أَبي هريرة – رضي الله عنه – ، عن النَّبيّ – صلى الله عليه وسلم – ، قَالَ : (( مَنْ كَانَتْ عِنْدَهُ مَظْلمَةٌ لأَخِيه ، مِنْ عِرضِهِ أَوْ مِنْ شَيْءٍ ، فَلْيَتَحَلَّلْهُ مِنْهُ اليَوْمَ قبْلَ أنْ لاَ يَكُونَ دِينَار وَلاَ دِرْهَمٌ ؛ إنْ كَانَ لَهُ عَمَلٌ صَالِحٌ أُخِذَ مِنْهُ بِقَدْرِ مَظْلمَتِهِ ، وَإنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ حَسَنَاتٌ أُخِذَ مِنْ سَيِّئَاتِ صَاحِبِهِ فَحُمِلَ عَلَيهِ )).