التصالح الداخلي والتسامح النفسي

يري أفلاطون في ” الجمهورية “: ” أنه مثل الفرد كالدولة “، وهو بذلك كان يستشرف بناء النفس البشرية ، ولكنه اضطر لتضخيمها لكي تبدو جمهورية حتى يستطيع من خلال تشابك أطرافها و ربط بعضها ببعض أن يوضح فكرته عن النفس من خلال هذا التكبير المضاعف ، ولكن جال بخاطري أن البدء بالعكس هو الأفضل ، بمعنى أنه : لماذا – لكي نضمن سلامة المجتمع – لا نضمن سلامة النفس أولا ؟ لماذا لا يتسامح الناس مع أنفسهم ومع دواخلهم قبل أن يتسامحوا مع غيرهم ، ومن ثم يأتي التسامح مع الغير فتحقيق معادلة التصالح الداخلي سيؤدي إلى الإثمار الفكري.
إن سلامة العالم تبدأ من سلامة النفس ، وإن سلامة النفس لا تتحقق إلا بالتسامح الداخلي ، وإن السعادة تنشر أجنحتها على الناس حيث يحل التصالح النفسي والسلام الداخلي ، وإن الله إذا أحب قوما رزقهم الطمأنينة والأمن النفسي والتسامح الداخلي .
ومن لم يستشعر التسامح الداخلي ، لم يذق طعم الراحة والطمأنينة والوداعة ، فالعاجز عن تحقيق التسامح مع داخله لن يكون قادرا على تحقيق التصالح أو التسامح مع الآخرين ” ففاقد الشيء لا يعطيه ” كما يقولون .
ولن يتحقق التسامح الداخلي للإنسان إلا بالمصالحة مع الله عز وجل ، والإصرار على طاعته ، واتباع سبيله ، وهل سبيل الله إلا السلام ( يهدي الله من اتبع رضوانه سبل السلام ) ، فمن اتبع سبيل الله تحقق له التصالح مع نفسه والتسامح مع قلبه وروحه قال تعالى : ( فمن اتبع هداي فلا يضل ولا يشقى ) ، أما من رغب عن هدى الله عز وجل وانصرف عنه فلا يمكن أن ينعم بأمن نفسي ولا سلام داخلي ولا تصالح روحي يقول الله عز وجل : ( ومن أعرض عن ذكري فإن له معيشة ضنكا ) ، وهل المعيشة الضنك إلا عراكه مع نفسه وشغبه مع روحه .
إن تحقيق التسامح الداخلي لا يكون إلا بترك الضغائن والأحقاد والطمع وحب الذات ، وهذا شيء ليس بالسهل ، لأن القدرة على الامتناع والترك عظمة نفسية لا يبلغها إلا قليل من الناس كما قال الشاعر :
إذا غلا شيء أرخصه بالترك فيكون أرخص ما يكون إذا غلا
ولكن من يستطيع هذا الترك للوساوس والأحقاد والأنانية والأطماع ؟ إن النفوس تتطلع وتزعج صاحبها وتشاغبه كي يجيبها إلى ما تريد ، وتلح عليه إذا حاول تجنبها ، وما ينتصر على هواه ، ولا يتصالح مع نفسه إلا امرؤ قوي الإرادة واثق العزم معان من الله .
إذا أردت أن تتصالح مع نفسك ، وتتسامح مع داخلك فإليك بعض النصائح :
كن شاكرا للأشياء الجميلة التي بداخلك ، واجه الفوضى التي تشاغب دماغك وقلبك ، قد تقول إنني ظلمت أو تعرضت للظلم ولابد أن أنتقم أو ينتقم مني عليك التخلص من هذه الأفكار الخدّاعة ، تخلص من جلدك لذاتك أتح لنفسك فرصة ولا تيأس .