الدين المعاملة

( الدين المعاملة ) عبارة نستعملها ونستعملها كثيرا ، وهي حقيقة بلاشك ، ذلك أن العبادات في الإسلام من صلاة وصيام وزكاة وحج ليست مجرد طقوس أو شعائر وحركات وسكنات يقوم بها المسلم ثم بعد ذلك يترك لهواه يفعل ما يحلو له ، كلا فالله تبارك وتعالى عندما شرع العبادات وفرضها فعل ذلك لكي يربي الإنسان على الفضيلة ، وليطهر قلبه وجوارحه من الآفات والمنكرات .
1- فالصلاة فرضها الله تعالى لكي تنهى عن الفحشاء والمنكر فقال تعالى : ( وأقم الصلاة إن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر ) .
2- والصيام فرضه الله عز وجل لكي يعلم المسلم معنى مراقبة الله وتقواه في السر والعلن يقول ربنا تبارك وتعالى 🙁 يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون ) .
3- والزكاة والصدقات شرعها الله عز وجل لتطهر المسلم وتزكي نفسه وتزيد من أواصر المودة والمحبة بين المسلمين فقال تعالى : ( خذ من أموالهم صدقة تطهرهم وتزكيهم بها ) .
4- والحج فرضه الله تعالى لكي يغرس في النفس الفضائل ويبعد المسلم عن الرذائل يقول ربنا تبارك وتعالى : ( الحج أشهر معلومات فمن فرض فيهن الحج فلا رفث ولا فسوق ولا جدال في الحج وما تفعلوا من خير يعلمه الله وتزوّدوا فإن خير الزاد التقوى واتقون يا أولي الألباب )
* شرع الله تعالى العبادات كي يترجم المسلم العبادات إلى معاملات وإلى أخلاق كريمة وليحسن التعامل مع ربه ومع الناس من حوله ( فالدين المعاملة ) معاملة مع الله ومعاملة مع مخلوقات الله من حولك .
@ أما كيف يترجم الإنسان العبادة إلى معاملة حسنة مع الله عز وجل ؟ كيف يكون الدين معاملة مع الله عز وجل ؟ يكون ذلك بأمرين :
1- بأن يُقبِل عليه بأداء حقوقه سبحانه، إيمانًا وتوحيدًا وعبادة، على الصِّدق والإخلاص، سمعًا وطاعة وتسليمًا وتعظيمًا وتوقيرًا، فيَجعل وجوده كلّه لله عبودية وعبادة، قال الله تعالى معلما رسوله الكريم كيف يكون الدين معاملة مع الله عز وجل : “ قُلْ إِنَّ صَلاَتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، لاَ شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وأنا أول المسلمين ”
2- بأن يرضى المسلم عن ربه عز وجل في السراء والضراء فإن أصابته سراء شكر وإن أصابته ضراء صبر واحتسب لأن المؤمن لا شك مبتلى يقول الله تعالى : ( ولبلونكم حتى نعلم المجاهدين منكم و الصابرين ونبلو أخباركم ) فينبغي أن يصبر المسلم وأن يحتسب عند ربه تبارك وتعالى يقول الله عز وجل : ( ولنبلونكم بشيء من الخوف والجوع ونقص من الأموال والأنفس والثمرات وبشر الصابرين الذين إذا أصابتهم مصيبة قالوا إنا لله وإنا إليه راجعون أولئك على هدى من ربهم وأولئك هم المفلحون )
& بذلك يكون المؤمن قد ترجم عباداته إلى معاملة حسنة مع ربه تبارك وتعالى .
@ أما كيف يكون الدين معاملة مع الناس ، فذلك بأن تترجم عباداته إلى أخلاق كريمة يتعامل بها مع من هم حوله ومن يتعاملون معه ويتعامل معهم .
1- وأول من يتعامل الإنسان معهم هم الوالدان ، والإسلام أمر بالإحسان إليهما بل وقرن حقهما بحقه وطاعتهما بطاعته فقال تعالى ( وقضى ربك ألا تعبدوا إلا إياه وبالوالدين إحسانا ) ، ونهى الإسلام عن إهانتهما ونهرهما والإساءة إليهما ولو بكلمة وأمر بأن يكون كل قول صادر إليهما أن يكون قولا كريما فقال تعالى : ( إما يبلغن عندك الكبر أحدهما أو كلاهما فلا تقل لهما أفق ولا تنهرهما وقل لهما قولا كريما ) ، وبعد موتهما لا تنسهما ولكن ادع لهما بالرحمة والمغفرة ( واخفض لهما جناح الذل من الرحمة وقل رب ارحمهما كما ربياني صغيرا )
وحتى لو دعواك إلى معصية الله أو الشرك بهما فلا تطعهما في شرك ولا معصية ولكن التزم معما بالقول المعروف قال تعالى : ( وإن جاهداك على أن تشرك بي ما ليس لك به علم فلا تطعهما وقل لهما قولا معروفا ) ، وجعل النبي صلى الله عليه وسلم رضا الله من رضاهما وسخطه من سخطهما فقال : ( رضا الرب من رضا الوالدين وسخطه من سخطهما ) .
2- ومن يتعامل معهم المسلم أيضا زوجته ، فكيف رسم الإسلام علاقة الزوج بزوجته ؟ رسمها الله تعالى على علاقة المودة والسكن فقد جعلها الله عز وجل سكنا لك : ( ومن أياته أن جعل لكم من أنفسكم أزواجكا لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودة ورحمة ) ، وجعل أساس التعامل بينهما المعروف إذا تمسك كلاهما بالآخر فلا إهانة ولا تحقير ولا إيذاء ، وإن استحالت العشرة بينهما فليكن التسريح بإحسان وحفظ للحقوق قال تعالى : ( فإمساك بمعروف أو تسريح بإحسان ) .
3- ومن يتعامل معم المسلم أيضا الأبناء وهؤلاء أيضا أمر الإسلام برعايتهم وحسن معاملتهم وعدم ظلمهم وعدم التفريق بينهم في المعاملة يقول النبي صلى الله عليه وسلم ( ليس منا من لم يرحم صغيرنا ويوقر كبيرنا ) ، وكان مالك بن دينار رحمه الله يقول : ( ليس منا من نفث غضبه في ابنه أو حماره ) .
4- ومن يتعامل معهم المسلم كذلك جيرانه ، وهؤلاء أيضا أمر الإسلام بحسن التعامل معهم فعن ابن عمر وعائشة رضي الله عنهما قالا : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (( ما زال جبريل يوصيني بالجار حتى ظننت أنه سيورثه )) وأن يشركهم المسلم معه في طعامه وشرابه ما أمكنه ذلك فعن أبي ذر رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (( يا أبا ذر ، إذا طبخت مرقة ؛ فاكثر ماءها وتعاهد جيرانك )) رواه مسلم ،
ونهى الإسلام عن إيذاءهم فعن أبي هريرة رضي اله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : (( والله لا يؤمن ، والله لا يؤمن ، والله لا يؤمن )) ! قيل : من يا رسول الله ؟ قال : (( الذي لا يأمن جاره بوائقه !)) متفق عليه
، ونهى الإسلام المسلم من أن يمنع جاره من إصلاح داره فعن أبي هريرة أن رسول صلى الله عليه وسلم قال : (( لا يمنع جار جاره أن يغرز خشبة في جداره )) متفق عليه .
5- ومن يتعامل معهم المسلم كذلك من يبيع لهم أو يشتري منهم أو يداينهم أو يداينوه ، وهؤلاء أيضا أمر الإسلام بحسن التعامل وإظهار روح السماحة والرحمة والتيسر عند البيع والشراء وطلب الدين فلا يغش ولا يظلم ولا يحتكر ، وا يطفف في كيل ولا ميزان يقول النبي صلى الله عليه وسلم : ( رحم الله رجلا سمحا إذا باع سمحا إذا اشترى سمحا إذا اقتضى سمحا إذا قضى ) ، وقال أيضا : ( أكمل المؤمنين إيمانا رجل سمح إذا باع سمح إذا اشترى سمح إذا اقتضى سمح إذا قضى ) .
6- ومن يتعامل معهم المسلم كذلك زملاؤه وأصدقاؤه وأصحابه وكل من يتعامل معهم أو يحتك بهم ، وهؤلاء ينبغي أن يكون المسلم بالنسبة لهم مصدر لا مصدر قسوة ، يقول الله تعالى مخاطبا نبيه صلى الله عليه وسلم : ( فبما رحمة من الله لنت لهم ولو كنت فظا غليظ القلب لانفضوا من حولك ) ، وأن يكون لهم مصدر أمن وطمأنينة لا مصدر خوف وإيذاء يقول النبي صلى الله عليه وسلم : ( المؤمن من أمنه الناس ، والمسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده ) ، وأن يكون لهم مصدر تيسير وتبشير لا مصدر تعسير وتنفير يقول النبي صلى الله عليه وسلم : ( يسروا ولا تعسروا وبشروا ولا تنفروا ) .
7- وحتى مع غير المسلمين أمر الإسلام بحسن التعامل معهم طالما لم يظهروا عداوة للمسلمين يقول النبي صلى الله عليه وسلم : ( من آذى ذميا فقد آذاني ) .
8- وحتى مع الحيوانات أمر الإسلام بالرحمة وحسن التعامل فقد دخلت امرأة الجنة لأنه سقت كلبا كان قد أشرف على العطش ، ودخلت امرأة النار لأنها حبست هرة ( قطة ) فلا هي أطعمتها ولا هي تركتها تأكل من خشاش الأرض كما أخبر المعصوم صلى الله عليه وسلم .
* وهكذا نرى أن الإسلام لم يجعل الدين قاصرا على مجرد شعائر وطقوس يفعلها الإنسان وحسب ، وإنما جعل الدين عبادة ومعاملة ولن يكتمل الدين ولن ينتفع المسلم بعبادته إلا إذا أكمل ذلك بحسن المعاملة .