الطريق آدابها وحقوقها

لما كان الجلوس في الطرقات مظنة الوقوع في الإثم، ومجلبة للفساد والضرر ؛ كان الأصل هو النهي عن الجلوس فيها احترازا من الإثم واتقاء للضرر ، لذلك روى البخاري ومسلم في صحيحيهما عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال : قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم- : ((إِيَّاكُمْ وَالجُلُوسَ عَلَى الطُّرُقَاتِ)) ، فقد بادر النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه بالتحذير من الجلوس في طرقات الناس أو على قارعة الطريق
الناس بحاجة إلى استعمال الطريق والسير فيها والوقوف بها أحيانا :
ولكن الناس لا يمكن أن يستغنوا عن الجلوس في الطرقات ، لذلك بادر الصحابة إلى التماس العذر من رسول الله صلى الله عليه وسلم في أن يسمح لهم بذلك ، فَقَالُوا: ( مَا لَنَا بُدٌّ، إِنَّمَا هِيَ مَجَالِسُنَا نَتَحَدَّثُ فِيهَا ) ، فسمح لهم النبي صلى الله عليه وسلم باستعمال الطريق والجلوس فيه ولكن بشرط التزام آدب الطريق واحترام حقوقه فقَالَ صلى الله عليه وسلم : ((فَإِذَا أَبَيْتُمْ إِلَّا المَجَالِسَ، فَأَعْطُوا الطَّرِيقَ حَقَّهَا))، قَالُوا: وَمَا حَقُّ الطَّرِيقِ؟ قَالَ: ((غَضُّ البَصَرِ، وَكَفُّ الأَذَى، وَرَدُّ السَّلاَمِ، وَأَمْرٌ بِالْمَعْرُوفِ، وَنَهْيٌ عَنِ المُنْكَرِ)) . هذه بعض آداب الجلوس في الطرقات وحقوقها ، وإليكم تفصيلا هذه الحقوق حتى نعلمها ونتحلى بها ولا نقع فيما حرم الله عز وجل .
حقوق الطريق وآدابه :
1- الحقُّ الأول: غض البصر
وذلك لأن في هذا النظر انتهاك لحرمات الآخرين، كما أنه ذريعة للفواحش، والأمر بغض البصر ، لما في ذلك من المفاسد العظيمة ، قال تعالى { قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ ، وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ} ، وروى أحمد في مسنده عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ بُرَيْدَةَ، عَنْ أَبِيهِ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ لِعَلِيٍّ : ((يَا عَلِيُّ لاَ تُتْبِعِ النَّظْرَةَ النَّظْرَةَ؛ فَإِنَّمَا لَكَ الأُولَى، وَلَيْسَتْ لَكَ الآخِرَةُ)).
2- الحقُّ الثاني: كفُّ الأذى
قال الحافظ -رحمه الله- : وَأ كَفُّ الْأَذَى َالْمُرَادُ بِهِ: كَفُّ الْأَذَى عَنِ الْمَارَّةِ بِأَنْ لَا يَجْلِسَ حَيْثُ يَضِيقُ عَلَيْهِمُ الطَّرِيقُ فمن حقوق الطريق، كف الأذى، وعدم إيذاء الناس في أبدانهم أو أعراضهم. فلا يؤذِي الناسَ بلسانه، لا كلامًا سيّئًا، ولا همزًا ولمزًا ، ولا سخريّة واحتقارًا، روى البخاري ومسلم في صحيحيهما عَنْ أَبِي مُوسَى رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَيُّ الإِسْلاَمِ أَفْضَلُ؟ قَالَ: ((المسلم مَنْ سَلِمَ المُسْلِمُونَ مِنْ لِسَانِهِ، وَيَدِهِ)) ، وروى مسلم في صحيحه عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم-: ((الْإِيمَانُ بِضْعٌ وَسَبْعُونَ – أَوْ بِضْعٌ وَسِتُّونَ – شُعْبَةً، فَأَفْضَلُهَا قَوْلُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ، وَأَدْنَاهَا إِمَاطَةُ الْأَذَى عَنِ الطَّرِيقِ، وَالْحَيَاءُ شُعْبَةٌ مِنَ الْإِيمَانِ))
وهي من الصدقات، وبسببها أُدخل رَجُلٍ الجنة. روى مسلم عَنْ أَبِي ذَرٍّ رضي الله عنه، عَنِ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم-، قَالَ: ((عُرِضَتْ عَلَيَّ أَعْمَالُ أُمَّتِي حَسَنُهَا وَسَيِّئُهَا، فَوَجَدْتُ فِي مَحَاسِنِ أَعْمَالِهَا الْأَذَى يُمَاطُ عَنِ الطَّرِيقِ، وَوَجَدْتُ فِي مَسَاوِي أَعْمَالِهَا النُّخَاعَةَ تَكُونُ فِي الْمَسْجِدِ، لَا تُدْفَنُ))
3- الحقُّ الثالث ردُّ السلام :
أما إفشاء السلام ابتداءً ورداً؛ فأدب كريم يتخلق به أبناء الإسلام ، يغرس المحبة، ويزرع الألفة، ويغسل الأحقاد، ويزيل الإحن، ويستجلب به رضا الله وغفرانه، وهو من حق المسلم على أخيه ، روى مسلم في صحيحه عن أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ: ((حَقُّ الْمُسْلِمِ عَلَى الْمُسْلِمِ سِتٌّ)) قِيلَ: مَا هُنَّ يَا رَسُولَ اللهِ؟ ، قَالَ: ((إِذَا لَقِيتَهُ فَسَلِّمْ عَلَيْهِ، وَإِذَا دَعَاكَ فَأَجِبْهُ، وَإِذَا اسْتَنْصَحَكَ فَانْصَحْ لَهُ، وَإِذَا عَطَسَ فَحَمِدَ اللهَ فَسَمِّتْهُ، وَإِذَا مَرِضَ فَعُدْهُ وَإِذَا مَاتَ فَاتَّبِعْهُ)) ، وروى البخاري ومسلم في صحيحيهما عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو -رضى الله عنهما- ، أَنَّ رَجُلًا سَأَلَ النَّبِيَّ -صلى الله عليه وسلم-: أَيُّ الإِسْلاَمِ خَيْرٌ؟ قَالَ: ((تُطْعِمُ الطَّعَامَ، وَتَقْرَأُ السَّلاَمَ عَلَى مَنْ عَرَفْتَ وَمَنْ لَمْ تَعْرِفْ))
4- الحقُّ الرابع وجوب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر:
ومن الواجبات -أيضاً- على أهل الطريق: الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر؛ فالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من أفضل الأعمال وأجلِّ القربات ، وهو كذلك سبب خيرية هذه الأمة، وبه يحصل النجاة من الهلكة. قال تعالى{كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ } وقال تعالى { وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ } وروى مسلم في صحيحه عن أبي سَعِيدٍ الخدري – رضى الله عنه- قال سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- يَقُولُ: ((مَنْ رَأَى مِنْكُمْ مُنْكَرًا فَلْيُغَيِّرْهُ بِيَدِهِ، فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِلِسَانِهِ، فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِقَلْبِهِ، وَذَلِكَ أَضْعَفُ الْإِيمَانِ)).
5- الحقُّ الخامس: إحسان الكلام :
روى مسلم في صحيحه عَن أبي طَلْحَةَ : كُنَّا قُعُودًا بِالْأَفْنِيَةِ نَتَحَدَّثُ، فَجَاءَ رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم-، فَقَامَ عَلَيْنَا فَقَالَ: ((مَا لَكُمْ وَلِمَجَالِسِ الصُّعُدَاتِ اجْتَنِبُوا مَجَالِسَ الصُّعُدَاتِ، فَقُلْنَا إِنَّمَا قَعَدْنَا لِغَيْرِ مَا بَاسٍ قَعَدْنَا نَتَذَاكَرُ وَنَتَحَدَّثُ)) قَالَ: ((إِمَّا لَا فَأَدُّوا حَقَّهَا غَضُّ الْبَصَرِ، وَرَدُّ السَّلَامِ، وَحُسْنُ الْكَلَامِ)) .
6- الحقُّ السادس: هداية مَنْ سأل عن الطريق :
ومن حقوق الطريق-أيضاً- إرشاد السائل عن الطريق، وهدايته إليه، سواءٌ كان ضالاً أو غريباً أو أعمى ، وجعل النبي -صلى الله عليه وسلم-ذلك من الصدقات التي يتقرب بها العبد لربِّه، روى البخاري في صحيحه عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، عَنِ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم-، قَالَ: ((كُلُّ سُلاَمَى عَلَيْهِ صَدَقَةٌ. . . . ، وَدَلُّ الطَّرِيقِ صَدَقَةٌ)) (ودَلُّ الطريق) هُوَ أَنْ يَدُلَّ مَنْ لَا يَعْرِفُ الطَّرِيقَ عَلَيْهَا. وروى الترمذي عَنْ أَبِي ذَرٍّ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-: (( وَإِرْشَادُكَ الرَّجُلَ فِي أَرْضِ الضَّلَالِ لَكَ صَدَقَةٌ )) .