الكلمة الطيبة والكلمة الخبيثة

لقد أنعم الله تعالى على الإنسان بنعم كثيرة لا تعد ولا تحصى حيث يقول ربنا تبارك وتعالى : ( وإن تعدوا نعمة الله لا تحصوها إن الله لغفور رحيم )، ومن أعظم النعم التي أنعم الله بها على الإنسان نعمة البيان ونعمة المنطق ونعمة الكلام قال تعالى: ( الرحمن علم القرآن خلق الإنسان علمه البيان )، وعلى قدر جلال النعمة يعظم حقها ويستوجب شكرها.
وقد عني الإسلام عناية كبيرة بموضوع الكلمة التي تخرج من فم الإنسان لما لها من أثر عظيم وكبير على الفرد والمجتمع، فبكلمة يدخل الإنسان الإسلام، وبكلمة يخرج منه، وبكلمة يدخل الإنسان الجنة، وبكلمة يخرج منها، وبكلمة تحل المرأة على الإنسان، وبكلمة تحرم عليه، وبكلمة تقام أسر وتنهض مجتمعات وبكلمة تدمر وتهدم، فليتق الإنسان ربه فيما يخرج من فمه من كلام، لأن الكلمة إما أن تبلغ بالإنسان أعلى الدرجات وإما أن تهوي به في أسفل الدركات، روى البخاري في صحيحه عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( إن العبد ليتكلم بالكلمة من رضوان الله يرفعه الله بها درجات، وإن العبد ليتكلم بالكلمة من سخط الله لا يلقي لها بالا يهوي بها في جهنم )، وفي رواية أخرى: ( يهوي بها في النار سبعين خريفا ).
والكلمة منها الطيب والخبيث ، ولقد ضرب الله مثلا للكلمة الطيبة وأثرها الطيب، وضرب مثلا للكلمة الخبيثة وأثرها السلبي والخبيث على الفرد والمجتمع فقال تعالى: ( أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللّهُ مَثَلاً كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاء * تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّهَا وَيَضْرِبُ اللّهُ الأَمْثَالَ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُون * وَمَثلُ كَلِمَةٍ خَبِيثَةٍ كَشَجَرَةٍ خَبِيثَةٍ اجْتُثَّتْ مِن فَوْقِ الأَرْضِ مَا لَهَا مِن قَرَار ) .
فالكلمة الطيبة كشجرة طيبة وارفة يانعة مثمرة تجلب الخير للناس فيأكلون من ثمرها ويستظلون بظلها ، أما الكلمة الخبيثة فهي كالشجرة الخبيثة لا ورق فيها ولا فروع يستظل بها ولا ثمر فيها يؤكل فهي لا خير فيها يرجى
وقد أمرنا الله تعالى بالكلمة الطيبة والقول الطيب والقول السديد والميسور فقال تعالى : ( وقولوا للناس حسنا ) ، وقال : ( وقل لعبادي يقولوا التي هي أحسن )، وقال ( فليتقوا الله وليقولوا قولا سديدا ) .
وللكلمة الطيبة آثار عظيمة ، وفوائد كثيرة على الفرد والمجتمع منها :
1- أنها تحفظ المودة وتديم المحبة وتحيل العدو البغيض إلى صديق حميم قال تعالى : ( ادفع بالتي هي أحسن فإذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه ولي حميم )، وهي دوام للألفة بين الآباء والأبناء يقول الله تعالى: ( ولا تقل لهما أف ولا تنهرهما وقل لهما قولا كريما )، وهي أدوم للمحبة والمودة بين الجيران، فالإحسان إلى الجيران بكلمة يدخل الجنة والإساءة إليهم بكلمة يدخل النار، روى البخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قيل للنبي صلى الله عليه وسلم: ( فلانة تقوم الليل وتصوم النهار وتتصدق ولكنها تؤذي جيرانها بلسانها ، فقال صلى الله عليه وسلم : ( لا خير فيها هي في النار )، قالوا: وفلانة تصلى المكتوبة وتتصدق بالقليل ولا تؤذي جيرانها ولا تؤذي أحدا بلسانها ، قال صلى الله عليه وسلم: ( هي في الجنة ) .
2- والكلمة الطيبة تقي صاحبها من النار ، روى البخاري عن عدي بن حاتمٍ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: ” اتَّقُوا النَّارَ، ثُمَّ أَعْرَضَ وَأَشَاحَ؛ ثُمَّ قَالَ: اتَّقُوا النَّارَ، ثُمَّ أَعْرَضَ وَأَشَاحَ، ثَلاَثًا حَتَّى ظَنَنَّا أَنَّهُ يَنْظُرُ إِلَيْهَا ثُمَّ قَالَ: اتَّقُوا النَّارَ وَلَوْ بِشِقِّ تَمْرَةٍ، فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَبِكَلِمَةٍ طَيِّبَةٍ ”
3- والكلمة الطيبة صدقة، روى ابن حبان عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه و سلم قال:) الكلمة الطيبة صدقة ) .
4- والكلمة الطيبة وقول الخير علامة وصفة من صفات الإيمان والمؤمن: فقد أخرج البخاري في الصحيح عن أَبي شُرَيْحٍ الْعَدَوِيّ رضي الله عنه قَالَ: سَمِعَتْ أُذُنَايَ وَأَبْصَرَتْ عَيْنَايَ حِينَ تَكَلَّمَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم، فَقَالَ: ” مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ فَلْيُكْرِمْ جَارَهُ، وَمَنْ كانَ يُؤْمِنُ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ فَلْيُكْرِمْ ضَيْفَهُ جائِزَتُهُ، قَالَ: وَما جاِئِزَتُهُ يا رَسُولَ اللهِ قالَ: يَوْمٌ وَلَيْلَةٌ، وَالضِّيافَةُ َثلاثَةُ أَيَّامٍ فَما كانَ َوراءَ ذَلِكَ فَهُوَ صَدَقَةٌ َعلَيْهِ، وَمَنْ كانَ يُؤْمِنُ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ فَلْيَقُلْ خَيْرًا أَوْ لِيَصْمُتْ ).
5- والكلمة الطيبة وحفظ اللسان دليل على كمال الإيمان روى البخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : يقول النبي صلى الله عليه وسلم : ( لا يستقيم إيمان العبد حتى يستقيم قلبه ولن يستقيم قلبه حتى يستقيم لسانه ) .
كل تلك الفوائد العظيمة يجنيها الإنسان من الكلمة الطيبة .
التحذير من الكلمة الخبيثة :
أما الكلمة الخبيثة فهي تسبب الفرقة والتنافر بين أبناء المجتمع مما يهدد أمنهم وسلامتهم لذلك حرمها الإسلام فحرم الإسلام الغيبة والنميمة وقول الزور والكذب والجدال بالباطل والسب واللعان والشائعات وغير ذلك من تلك الآفات التي ابتليت بها الأمة ، وأمر بحفظ اللسان عنها روى أحمد في مسنده عن ابن مسعود رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( ليس المؤمن باللعان ولا الطعان ولا الفاحش ولا البذيء ) ، وكان أنبياء الله ورسله رضوان الله عليهم حريصين على حفظ ألسنتهم من الكلمة الخبيثة ، روي أن عيسى عليه السلام مر بخنزير فقال له : انفذ بسلام ، فقيل له أتقول هذا لخنزير ؟ قال : نعم لأني أخاف أن ألعنه فيتعود لساني على اللنطق بالسوء )
ألا ما أحوج مجتمعنا إلى أن تشيع فيه الكلمة الطيبة وأن يحفظ الإنسان لسانه عن قول السوء لما لذلك من أثر طيب على الفرد والمجتمع.