المال نعمة كيف نستفيد منها ؟!

المال من أجمل انعم إذا أخرج العبد حقوقه كالزكاة أو الصدقات أو تخفيف آلام الناس وتفريج كرباتهم ، وإذا أخرج هذه الحقوق فهذا يدل على كمال إيمانه ـــــــ لماذا ؟
لأن المال محبوب ، فما قدمه إلا لما هو أحب إليه من هذا المال ؛
ولذا فإن الله عز وجل لما ذكر البر وذكر صفات البار قال جل وعلا في مطلع آية في سورة البقرة : ((لَّيْسَ الْبِرَّ أَن تُوَلُّواْ وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَـكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَالْمَلآئِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ وَآتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ)) ، وهذا هو موضع الشاهد: ((وَآتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ )) أي لكونه محبوبا إليه على أحد وجهي التفسير .
وقال عز وجل في وصف عباد الله الأبرار كما في سورة الإنسان : {إِنَّ الْأَبْرَارَ يَشْرَبُونَ مِن كَأْسٍ كَانَ مِزَاجُهَا كَافُوراً } إلى أن قال في صفاتهم : {وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِيناً وَيَتِيماً وَأَسِيراً }
وقد سئل النبي – عليه الصلاة والسلام – كما في الصحيحين عن : ( أي الصدقة أفضل ؟ قال : ” أن تتصدق وأنت صحيح شحيح تخشى الفقر وتأمل الغنى ”
وقد ضرب الصحابة – رضي الله عنهم – أروع الأمثلة في إنفاق هذا المال في وجوه الخير :
فقد امتدح الله جل وعلا المهاجرين لكونهم ضحوا بأنفسهم وأموالهم من أجل هذا الدين :
قال جل وعلا : ((لِلْفُقَرَاء الْمُهَاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِن دِيارِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِّنَ اللَّهِ وَرِضْوَاناً)) ، وامتدح الأنصار لكونهم قدموا أموالهم لإخوانهم المهاجرين فقال جل وعلا : ((وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ)) ، بل أذكر صنفا من صنف هؤلاء الأبرار الأخيار صحابة النبي صلى الله عليه وسلم .
فإليكم صنفا واحدا من الأنصار :
جاء في الصحيحين عن أنس رضي الله عنه أنه قال : كان أبو طلحة الأنصاري أكثر الأنصار مالا ، وكان عنده بيرُحاء ، وهي ” بستان ” بيرحاء ، وهي أحب أمواله إليه ، وكانت مستقبلة المسجد ، وكان النبي صلى الله عليه وسلم يدخل فيها ويشرب منها ، من ماء طيب فيها ، فأنزل الله عز وجل : ((لَن تَنَالُواْ الْبِرَّ حَتَّى تُنفِقُواْ مِمَّا تُحِبُّونَ)) فأتى أبو طلحة الأنصاري إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال : يا رسول الله ، إن الله أنزل قوله تعالى : ((لَن تَنَالُواْ الْبِرَّ حَتَّى تُنفِقُواْ مِمَّا تُحِبُّونَ)) وإن أحب أموالي إليّ بيرحاء ، وإني أهبها وأجعلها صدقة أرجو ذخرها وثوابها عند الله جل وعلا ، فقال عليه الصلاة والسلام : (( بخٍ بخٍ )) – وهي كلمة لتفخيم الأمر ، قال : (( بخ بخ ذاك مال رابح ))
وفي رواية فقال عليه الصلاة والسلام : (( ذاك مال رايح )) يعني رايح في طاعة الله
فقال عليه الصلاة والسلام : (( أرى أن تجعلها في الأقربين ))
فجعلها أبو طلحة في بني عمه وأقربائه.
هذا هو أبو طلحة الأنصاري ، صورة من صور أفراد الأنصار رضي الله عنهم .
أما صور المهاجرين فإليكم ما ذكره البخاري ومسلم في صحيحيهما : ” أن عمر رضي الله عنه قال : يا رسول الله ما أصبتُ مالا قطُ هو أنفس عندي من سهمي الذي بخيبر ، فماذا أصنع به ؟
فقال عليه الصلاة والسلام : احبس الأصل ، وسبِّل المنفعة .
وليس هناك أعظم من أبي بكر رضي الله عنه في صحابة النبي صلى الله عليه وسلم في تقديم الخير لله ولرسوله ، ولعموم المسلمين .
ولذا قال عليه الصلاة والسلام – كما في المسند وسنن ابن ماجة – قال : (( ما نفعني مال قط ما نفعني مال أبي بكر ))
فقال أبو بكر رضي الله عنه –كما عند ابن ماجة – فقال : يا رسول الله ، وهل أنا ومالي إلا لك يا رسول الله .
إذن المال الحقيقي الذي تملكه – عبد الله – أن تنفقه في طاعة الله عز وجل
أما ما تستبقيه فإنه ليس لك .
ولذا قال عليه الصلاة والسلام كما في صحيح مسلم من حديث المفرق عن أبيه أنه قال : ” انتهيت إلى النبي صلى الله عليه وسلم وهو يقول : ((أَلْهَاكُمُ التَّكَاثُرُ)) فقال : يقول العبد : ” مالي مالي ، وهل لك يا ابن آدم من مالك إلا ما أكلت فأفنيت ، أو لبست فأبليت ، أو تصدقت فأمضيت ))
وجاء في صحيح البخاري أن النبي عليه الصلاة والسلام سأل أصحابه رضي الله عنهم ذات يوم ، فقال : (( أيكم مال وارثه أحب إليه من ماله ؟ )) ، فقالوا : يا رسول الله كلنا ماله أحب إليه من مال وارثه ، فقال عليه الصلاة والسلام : (( فإن ماله ما قدّم ، وإنما لوارثه ما أخَّر ))
ولذا قال الشاعر :
إذا المرء لم يعتق من المال نفسه تملَّكه المال الذي هو مالكــهْ
ألا إنما مالي الذي أنا منفـــــــــقٌ وليس لي المال الذي أنا تاركهْ