الحشرات والكائنات الدقيقة

خنفساء الضباب .. ملهمة العلماء

الصحراء معضلة الأرض، ومعضلة الأرض الماء، فتلك البحار المترامية الأطراف من الرمال، التي تغطي مساحتهها 20% من مساحة الأرض غير المغطاة بالجليد، إضافة للأراضي الأخرى التي تتصحر جميعها ينقصها الماء، وليس غاية الماء هنا إحالة الصحراء إلى حدائق غنّاء أو روابي خضراء، وحقول كبيرة ، ولكن الغاية هي منع مزيد من الأرض من الانزلاق نحو التصحر وإلى مصير الجفاف، وذلك بإقامة واحات بشرية هنا وهناك في بحر الرمال الشاسع، وبما يسمح لمزيد من البشر بالحصول على غذائهم من تلك الأرض الضائعة.
لقد استولى هذا الأمر على تفكير المهندس الدينماركي ” ستيوارت كلينز ” وكان هذا المهندس يدرك مدى ارتفاع تكاليف الحصول على مياة للزراعة في الصحراء عن طريق المضخات لسحب المياة الجوفية من تحت الأرض، أو لجرها عبر أنابيب من تجمعات المياة البعيدة؛ ولهذا وجه ستيورات تفكيره إلى الكائنات الحية الصحراوية التي توصل الماء بنجاح رغم جفاف الصحراء، واستنتج أنها لابد تحصل على الماء بطريقة ما غير الطرق المألوفة والمتعارف عليها.
وكانت ملهمته في هذا الأمر مجرد خنفساء تعيش في الصحراء الناميبية، واسمها ” الخنفساء جامعة الضباب “،
ففي مناطق الصحراء الساحلية ينتقل بخار الماء المتصاعد على سطح المحيط الأطلنطي ويعبق به الجو فوق الرمال ، وعندما يهبط الليل وتنخفض درجات الحرارة يتكاثف بخار الماء مكونا الندى، وفي هذه الأثناء تقوم الخنفساء المذكورة بالوقوف على رأسها وبأرجلها الخلفية تأخذ في ركل الضباب بسرعة فيتكاثف وينزلق على جسمها ، ويتجمع تحت رأسها لتشرب منه، ثم تقوم بعد أن ترتوي بدفن نفسها في الرمل المبتل قبل شروق الشمس وسطوع النهار حتى لا تتعرض للموت بالجفاف؛ إذ تبلغ درجة الحرارة في تلك الصحراء القاسية نحو 90 درجة مئوية في بعض أيام الصيف.
تلك الطريقة العبقرية البسيطة التي تحصل بها ” خنفساء الضباب ” على الماء من الجو ، أوحت إلى المهندس ستيوارت كلينز بابتكار جهاز يحاكي ما تفعله الخنفساء، فكانت أداة تجمع الماء من الهواء عبارة عن فرشاة دوارة قطرها نصف متر وبها آلاف الشعيرات من الألياف الزجاجية التي تقدر مساحتها السطحية بمئات الأمتار المربعة التي يتكاثف عليها الماء، ويقدر الماء الذي يمكن أن تجمعه شعيرات الفرشاة بـ 5 – 10 لترات من الماء في اليوم الواحد تبعا لحالة الجو، هذا أثناء الليل، أما في النهار فإن الفرشاة يتم رفعها لتدخل في اسطوانة مدهونة باللون الأسود مما يرفع درجة الحرارة داخلها إلى 100 درجة مئوية، تحول ما تجمع من الماء داخلها إلى بخار يدخل في تجاويف الأرجل المعدنية البيضاء حاملة الجهاز ، ولأن درجة حرارتها منخفضة فإن البخار يتكاثف ويهبط فيها لينضم إلى ما تم جمعه من ماء أثناء الليل وتشبعت به الرمال تحت الجهاز.
إن هذه الوسيلة واعدة بتحويل 20 كيلو مترا مربعا من الصحراء إلى واحة باستخدام 2000 جهاز، ولمدة عشر سنوات – ويمكن أن تقل المدة كثيرا – لو تولت إحدى الشركات الكبيرة تصنيع الجهاز بأحجام كبيرة وكفاءة أكبر، وتلك الواحة بدورها تعمل على خفض درجات الحرارة، ومن ثم استقطاب الأمطار لتتكاثف خضرة الواحة أكثر فأكثر، وليس الهدف هو تحويل الصحراء إلى واحة كبيرة ووديان خضراء، فالصحراء بيئة لها دورها في النظام البيئي، لكن الهدف هو: خلق واحات من الأمل يحتمي بظلها ويأكل من ثمرها بعض الناس الذين دفعهم حظهم العاثر إلى هجير الصحراء.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

لا نستخدم اعلانات مزعجة ، لطفاً يرجى تعطيل مانع الاعلانات ظهور الاعلانات يساعد موقعنا على الاستمرار وتغطية التكاليف