اعلام وشخصيات

عبد الله بن مبارك … الذي نبت من حلال

عبد الله بن المبارك المروزي هو عالم وإمام ومجاهد في سبيل الله، اشتهر لكونه تفوق في العديد من المجالات واجتهد في الدين كثيراً، فكان إمام وخطيباً رائعاَ ومجاهداً في سبيل الله لا يشق له غبار، وكان الأكثر اجتهاداً في عصره في جمع الأحاديث النبوية الشريفة.

هو عبد الله بن المبارك بن واضح الحنظلي التميمي مولاهم أبو عبد الرحمن المروزي، وكانت أم عبد الله بن المبارك خوارزمية وأبوه تركي، ولد عام 118 هجرية في العصر الأموي، وكان أبوه أجيراً بسيطاً حارساً لأحد البساتين وكان تقياً يخاف الله كثيراً حتي قيل أن “عبد الله بن مبارك” أنبت من نباتاً حسن، فكان أبوه يخاف المال الحرام كثيراً، ويحكي عنه أنه “ففي إحدى زياراته طلب منه بعنب يأكلها، فجاءه بواحدة، فوجدها حامضة، فطلب منه واحدة أخرى، فكانت كذلك، فقال له: كم لك في هذا البستان وأنت لا تعرف الحامض من الحلو؟ فقال مبارك – صادقًا –: وكيف أعرف وأنا لم أذق شيءًا منه!! فتعجب صاحب البستان، وقال: ألا تتمتع ببعض ما هو تحت يديك؟! قال مبارك: لم تأذن لي في ذلك.. فكيف أستحل ما ليس لي؟! سكت الرجل مندهشًا وقال له: فقد أذنت، من الآن فكل!”.

بدأ طلب مبارك للعلم:
بدأ في طلب العلم وهو في العشرين من عمره، علي يد الشيخ الربيع بن أنس الخراساني وكان سجيناً، فكان يذهب إليه في سجنه فسمع منه أربعين حديثا ثم ارتحل عام 141 هجرية وطاف في ترحال وطواف حتي وفاته، وكان يساعد الجميع علي إتمام فريضة الحج.

كان طالب للعلم مثالي، حيث ارتحل إلي جميع الأقطار حتي قبل عنه “كان ابن المبارك ربع الدنيا بالرحلة في طلب الحديث، لم يدع اليمن ولا مصر ولا الشام ولا الجزيرة والبصرة ولا الكوفة”، وقد شهد له أحمد بن حنبل بذلك أيضاً.

وكان متواضعاً حتي أنه كان ينقل العلم عن من هم أصغر منه، وكان يهتم بنقل العلم كثيراً وكان يقول “لعل الكلمة التي أنتفع بها لم أكتبها بعد”، وكان أهم ما يميزه هو عدم اهتمامه بالجانب الكمي في العلم، حيث كان يهتم بنوعية الأحاديث التي يرويها، مع تحري الدقة في النقل.

 

كان عبدالله بن المبارك يكثر الجلوس في منزله فقيل له ألا تستوحش ؟ فقال : كيف استوحش وأنا مع النبي وأصحابه؟

أخلاقه من مواقفه
وكان شديد الأمانة كوالده حيث قال أبو حسان عيسى بن عبد الله البصري، أنه سمع الحسن بن عرفة يقول : قال لي ابن المبارك : استعرت قلماً بأرض الشام، فذهبت على أن أرده فلما قدمت “مرو” نظرت فإذا هو معي، فرجعت إلى الشام حتى رددته على صاحبه.
وحكي عنه «خرجت للغزو مرة فلما تراءت الفئتان خرج من صف الترك فارس يدعو إلى البراز فخرجت إليه فإذا قد دخل وقت الصلاة قلت له: تنح عني حتى أصلي ثم أفرغ لك فتنحى فصليت ركعتين وذهبت إليه فقال لي: تنح عني حتى أصلي أنا أيضا فتنحيت عنه فجعل يصلي إلى الشمس فلما خر ساجدا هممت أن اغدر به فإذا قائلا يقول:”وأوفوا بالعهد إن العهد كان مسئولا” فتركت الغدر فلما فرغ من صلاته قال لي لما تحركت؟ قلت: أردت الغدر بك قال: فلم تركته؟ قلت لأني أمرت بتركه. قال الذي أمرك بترك الغدر أمرني بالإيمان وآمن والتحق بصف المسلمين. فقد دعته أخلاقه ألا يغدر بأعدائه فكانت بركة أخلاقه أن انضم عدوه إلى الإسلام بعد أن كان من المحاربين له».

قال محمد بن علي بن الحسن بن شقيق : سمعت أبي قال : كان ابن المبارك إذا كان وقت الحج اجتمع إليه إخوانه من أهل مرو، وفيقولون : نصحبك، فيقول : هاتوا نفقاتكم، فيأخذ نفقاتهم فيجعلها في صندوق ويُقفل عليها، ثم يكتري له ويخرجهم من مرو إلى بغداد، فلا يزال يُنفق عليهم ويطعمهم أطيب الطعام وأطيب الحلوى، ثم يخرجهم من بغداد بأحسن زي وأكمل مُروءة، حتى يصلوا إلى مدينة الرسول ، فيقول لكل واحد : ما أمرك عيالك أن تشتري لهم من المدينة من طُرفها ؟ فيقول : كذا وكذا فيشتري لهم، ثم يخرجهم إلى مكة فإذا قضوا حجهم قال لكل واحد منهم : ما أمرك عيالُك أن تشتري لهم من متاع مكة ؟ فيقول : كذا وكذا، فيشتري لهم، ثم يُخرجهم من مكة، فلا يزال يُنفق عليهم إلى أن يصيروا إلى مرو، فيجصص بيوتهم وأبوابهم، فإذا كان بعد ثلاثة أيام عمل لهم وليمة وكساهم، فإذا أكلوا وسرّوا دعا بالصندوق، ففتحه ودفع إلى كل رجل منهم صُرته عليها اسمه.

كان القاسم بن محمد يكثر السفر مع ابن المبارك، فلم يكن يلحظ زياده في عبادته على غيره، فيعجب من ذلك وكثيراً ما تحدّثه نفسه: بما فضل هذا الرجل علينا حتى نال هذه الشهرة بين الناس؟ فبينما هم في ليلة على عشاء انطفأ السراج، فقام بعضهم وأخذ السراج وخرج به يستصبح، وحينما عادوا نظر القاسم بن محمد إلى عبد الله بن مبارك فرأى الدموع قد بلّلت وجهه ولحيته، فقال في نفسه: بهذه الخشية فضل هذا الرجل علينا، ولعله حين فقد السراج فصار إلى الظلمة .. تذكّر القيامة!.
وقيل عنه:
قال القاسم بن محمد بن عباد : سمعت سُويد بن سعيد يقول : رأيت ابن المبارك بمكة أتى زمزم فاستقى شربة، ثم استقبل القبلة، فقال: اللهم إن ابن أبي الموال حدثنا عن محمد بن المُنكدر عن جابر عن النبي أنه قال : ((ماء زمزم لما شُرب له))وهذا أشربه لعطش القيامة، ثم شربه.

وقال سفيان الثوري : إني لأشتهي من عمري كله أن أكون سنة مثل ابن المبارك، فما أقدر أن أكون ولا ثلاثة أيام.
وقال ابن عُيينة : نظرت في أمر الصحابة، وأمر عبد الله، فما رأيت لهم عليه فضلاً إلا بصحبتهم النبي ، وغزوهم معه.
وقال هارون الرشيد بعد وصوله إلي الرقة وازدحام الناس حول شخص آخر، حيث انجفل الناس خلفَ ابن المبارك، وتقطعت النعال وارتفعت الغبرة، فأشرفت أم ولد لأمير المؤمنين من برج من قصر الخشب، فقالت : ماهذا ؟ قالوا : عالم من أهل خراسان قدم، قالت: هذا والله المُلكُ، لا ملكُ هارون الذي لا يجمع الناس إلا بشُرط وأعوان.
ومن أشهر أقواله
الدنيا سجن المؤمن، وأعظم أعماله في السجن الصبر وكظم الغيظ، وليس للمؤمن في الدنيا دولة، وإنما دولته في الآخرة!
ليس من الدنيا إلا قوت اليوم فقط

وتوفي عبد الله بن المبارك في مدينة هيت بمحافظة الانبار العراقية عام 181 هجرية ودفن في قبر معلوم ومشهود من الناس حتي الآن.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

لا نستخدم اعلانات مزعجة ، لطفاً يرجى تعطيل مانع الاعلانات ظهور الاعلانات يساعد موقعنا على الاستمرار وتغطية التكاليف