لحوم وأجبان وحلوى من العظام

العظام مصدر للغذاء : العظام، نعم عظام البقر والماعز والدواجن والخراف، أصبحت منجما وافرا للغذاء، ففي تجارب علمية مثيرة أجريت مؤخرا تبين أن عظام الذبائح يمكن أن تصبح مصدرا جديدا ورخيصا للبروتينات الغذائية والعناصر المغذية والدهنيات، ويمكن من الآن أن تختار بين لحم تقليدي – أنت تعرفه – ولحم آخر جديد مصنوع من العظام وهو لحم لذيذ ورخيص وه مستقبل.
إننا نقتني حيوانات كثيرة من أجل الحصول على لحومها ، ولكن لا يوجد حيوان كله لحوم بنسبة 100%، ، فذكر البقر على سبيل المثال لا تتجاوز نسبة اللحوم المأكوله به الـ 50% إلى 60% ، ويتبقى بعد ذلك الجلد والشعر والعظم وغيرها مما لا يأكله الآكلون، ويسأل سائل عن عظام الحيوان، وكم تمثل من حجمه الكلي ؟ ربما ييدهشك أن نسبة العظام تمثل ما بين 16% إلى 20 % من جسم الذبيحة، وهي نسبة قد تبدو كبيرة ، ولكن ليس خافيا أن للعظام دورا كبيرا في إبقاء الحيوان حياة فهي تشكل شبكة الإسناد القوية لأنسجة الجسم الهشة، وهي التي تميز الشكل العام للجسم وتمنحه عنفوانه.
ورغم أهمية العظام في حياة الحيوان – وهي أهمية لا جدال فيها بالطبع – ولكنها تبدوا بعد ذبحه في نظر الكثيرين ليست إلا نفايات ومخلفات ينبغي التخلص منها، وأكثر المتفائلين يرون مصيرها هو الحرق حتى يستخدم رمادها كإضافات معدنية في علائق الحيوانات، ومما لا يقبل الشك أن ذلك فيه هدر لقيمة العظم الحقيقية، فالعظم ثروة ثمينة، وهو بحاجة إلى إعادة اهتمام وتقييم جديدين.
يقول خبراء تكنولوجيا الأغذية، أن العظام ليست معادن فقط – كما نتصور نحن – بل هي مع ذلك بروتينات وودهنيات أيضا، فكيف إذن نستخلص تلك الثروة وندفع بها إلى حياة الناس للاستفادة بها من جديد ؟
جهود خبراء تكنولوجيا الغذاء : ولدى خبراء تكنولوجيا الأغذية حيل كثيرة لاستخلاص مكونات العظم وتصنيعه، حيث يجري أولا طحن العظم جيدا، ثم يعامل بماء ساخن، تمهيدا لاستخلاص الدهن منه وفصله بقوة الطرد المركزي، مثلما يفصل دهن اللبن ، ثم إن الجزء المتبقي من طحين العظام بعد نزع الدهون منه لا يرمى أو يعدم، بل يشرع فورا في طهيه داخل أوعية تحت ضغط بخاري عال، وهي عملية ينتج عنها خليط من الجلاتين والبروتينات الذائبة في الماء، لتصنع منها أطباق شهية مثل : الألماسية بالفاكهة، والمربات، والبفرواز، والتورتة المثلجة، والسوفلية، وأنواع الأطباق المملحة بالجلاتينا، والدجاج بالجلاتينا، وقوالب السلطة الباردة بالجلاتينا، وغيرها من الأطباق الرائعة والأطعمة الشهية التي تدين بجمالها وقوامها وتنسيقها البديع لعظام الحيوانات، أرى علامات التعجب بادية على وجه القاريء لهذا المقال، ولكن لا داعي للدهشة إنها الحقيقة، ففي مكونات تلك الأطعمة السالفة الذكر وغيرها نجد الجلاتين الذي يستخرج من مصادر متعددة يأتي في مقدمتها العظم.
إن منتجي اللحوم في – المستقبل القريب – لن يكونوا فقط هم أولئك الذين يقومون على اقتناء الأبقار والدواجن والخراف ويقومون بتربيتها، ولكن سيتآذر معهم خبراء تكنولوجيا الأغذية، الذين سيعكفون على أجهزتهم الدقيقة لمحاولة استكشاف الأسرار والخفايا الكثيرة في عظام الحيوان، وإيجاد طرق جديدة لتحويلها إلى لحوم العظام.
مفاجأة سارة : حقا إنها لمفاجأة سارة تلك التي خرجت بها علينا معامل العلماء في شأن بروتينات العظام وصلاحيتها لتغذية الإنسان، وتلك جهود مشكورة لهؤلاء العلماء فغدا سنكون محتاجين إلى إطعام مزيد من الأفواه الجديدة، بالإضافة إلى تلك الأفواه التي لا تجد حاجتها الكافية اليوم من الطعام، ولكن الأمل لا يزال معقودا، وأبواب الخير واسعة لا تزال تتوسع وتتفتح كلما تعمق الباحثون في أسرار الطبيعة الثرية التي خلقها الله، وأن تلك التقنيات الجديدة الواعدة – تقنيات البروتينات غير التقليدية – لهي بعض أبواب الخير المبشر بالأمل، نعم ، أليست هي التقنيات التي تبشر الناس بغذاء أوفر وأرخص من كل من كل نفايات المزارع، ومن كل مخلفات مصانع الأغذية والمجازر، بل حتى من كل البقايا المهملة حتى وإن كانت بقايا عظام الحيوان !