لم يكن القرآن بلغة قريش فحسب … قبائل الازد

قبيلة الازد
يعرف الناس لهذه القبيلة صيغتين:
1) شنوءة، بنون ممدودة يضم، بعدها همزة مفتوحة، وهذه هي الصيغة التي ذهب إليها صاحب «نهاية الأرب 1)» واخبرنا أن هذه اللفظة اسم كان يطلق على أبيهم، وهذا الأب هو: «عبد الله بن كعب بن عبد الله بن كعب بن مالك بن نصر بن الازد» كما أثبته صاحب «اللباب 2)» أما معناها اللغوي فيوضحه لنا صاحب «التاج» نقلا عن الخفاجي حيث يقول3): «رجل شنوءة أي طاهر النسب ذو مروءة».
2) شنوة، لا شك أنهم قلبوا الهمزة واوا، ثم ادغموا الواوين، وهي رغم خفتها لم تشتهر كما اشتهرت الأولى.
وهنا ملاحظة لا بد من إبدائها: ذلك أن خير الدين الزركلي يقول4):« انقسم بنوه 5) إلى ثلاثة أقسام: أزد شنوءة، وأزد السراة، وأزد عمان».
فالقبيلة، أزد شنوءة، جزء من ثلاثة أقسام عند صاحب الإعلام، بينما يرى المستشرق (G. Strenziok) إن لفظة شنوءة التي يطلق عادة أزد السراة تسمية غامضة 6)وإذن لا ينقسم بنو الازد إلا إلى قسمين:
1) أزد السراة: وهي التي تهمنا، إذا اعتمدنا دائرة المعارف، ولا مانع من ذلك، كان مسكنهم أهضاب عسير، وكان أفراد هذه القبيلة يتعاطون للحياكة، ولذا كانوا لا يرحلون عن أرضهم التي كانت تمتد، من الشاطئ الأعلى لوادي قنوصي إلى الشمال الشرقي من الطائف. واعتقد انه يستحيل الآن معرفة القبائل التي تنتمي إلى أزد شنوءة.
2) أزد عمان: وهي التي تتكون من أولاد مالك بن فهم كحناء، وفراهيد، ونوى، وغيرها. ومن أولاد نصرلا بن زهوان كحدان ومعاول.
إن تاريخ أزد شنوءة يكاد يكون مجهولا بتمامه. والشاعر الوحيد الذي اشتهر في هذه القبيلة هو الحائز ابن عوف. اعتنقت هذه القبيلة الإسلام سنة 10 هجرية
ولقد شارك هذه القبيلة في القرآن الكريم بثمانية ألفاظ، وزعت في كتاب الله العزيز على الشكل التالي:
1) مفردة:«لاشية» الكائنة في سورة البقرة الآية 71 التي جاء فيها:«قال انه يقول أنها بقرة تثير الأرض ولا تسقي الحرث، مسلمة لا شية فيها: قالوا الآن جئت بالحق، فذبحوها وما كادوا يفعلون». ومعناها بلغة أزد شنوءة لا وضح.
قال في تفسيرها أبو الفضل شهاب الدين محمد الالوسي المتوفى سنة 1270 7)«أي لا لون فيها يخالف لونها تأكيد… ووهم غير واحد فزعم انه للمبالغة والشية مصدر وشيت الثوب، أشبه وشيا إذا زينته بخطوط مختلفة الألوان، فحذف فاؤه كعدة وزنة»
أما أبو البقاء عبد الله بن الحسين بن عبد الله العكبري المتوفى سنة 616 هجرية فيقول عنها8): «والأحسن أن يكون صفة، والأصل في شية وشية، لأنه من وشا يشي، فلما حذفت الواو في الفعل حذفت في المصدر وعوضت التاء من المحذوف، ووزنها الآن على».
2) كلمة:«تعضلوهن» في سورة البقرة الآية 232 التي جاء فيها «وإذا طلقتم النساء فبلغن اجلهن فلا تعضلوهن أن ينكحن أزواجهن إذا تراضوا بينهم بالمعروف ذلك يوعظ به من كان يومن بالله واليوم الأخر، ذلكم أزكى لكم واطهر والله يعلم وانتم لا تعلمون» ومعناها بلغة هذه القبيلة تحبسوهن. والحبس هنا واقع على النكاح. ويجوز في مضارعها الضم والكسر. قال الأصمعي:«عضل الرجل ايمة، إذا منعها من الترويج» وهي مفردة كثيرة التداول في اللغة العربية أعطت عبارات مشهورة، كثيرة الاستعمال، مثل «داء عضال» أي شديد، أعيا الأطباء و «أعضلني فلان» أي أعياني أمره. و «أمر معضل» لا يهتدي لوجهه و «المعضلات» الشذا ئد. وهذا الاستعمال الواسع، يدل ما في ذلك من شك، على أن هذه المفردة الازدية دخلت اللغة العربية الفصيحة، في وقت مبكر، ووجدت أرضا خصبة في اللغة العربية.
3) كلمة:«امة» في سورة هود، الآية 8 التي يقول فيها الحق سبحانه «ولئن أخرنا عنهم العذاب إلى امة معدودة ليقولن ما يحسبه، إلا يوم يأتيهم ليس مصروفا عنهم، وحاق بهم ما كانوا به يستهزئون» ومعناها بهذه اللغة «سنين».
ولهذه المفردة وجه أخر، وجب على أن أشير إليه، لان المعنى يستقيم به تمام الاستقامة، وقد ذهب إليه جمهور كبير من المفسرين، منهم الزمخشري والراغب الأصفهاني والزجاح وغيرهم كثير؛ وهي أن تكون لهذه الكلمة معنى «جماعة» ولها أمثلة أخرى في القرآن الكريم، منها الآية «إن إبراهيم كان امة قانتا لله» و «ليسوا سواء من أهل الكتاب امة قائمة».
4) لفظة «الرس» في سورة الفرقان الآية 38 التي جاء فيها «عاد وثمودا وأصحاب الرس وقرونا بين ذلك كثيرا». ومعناها بلغة أزد شنوءة (البئر).
لكن هذه المفردة بقيت غامضة في كتب المفسرين. فالزمخشري مثلا يعطينا خمسة أوجه لتفسيرها، لا يذكر البئر إلا في وجهين منها، وملخص هذه التأويلات هي9):
1- أصحاب الرس قوم من عبدة الأصنام، أصحاب آبار ومواش.
2- أصحاب النبي حنطلة بن صفوان.
3- الرس قرية بفلج اليمامة.
4- أصحاب الأخدود، والرس هو الأخدود.
5- الرس بإنطاكية، كذبوا نبيهم، ورسوه في بئر، أي دسوه فيها.
أما القاسم الحسين بن محمد المعروف بالراغب الاصفائي المتوفى سنة 502 هجرية، فيقول مفرا لفظة الرس10):«أصحاب الرس، قيل هو واد» واستشهد بالشطر الأخير لبيت من شعر شاعر، لم يذكر اسمه، ولعله زهير بن أبي سلمى، الذي قال:
بكرن بكورا واستحرن بسحرة
فهن ووادي الرس كاليد للفم
وبحث أبو القاسم الحسين هذا عن أصل هذه المفردة فقال:«أصل الرس الأثر القليل الموجود في الشيء» فهو، على كل حال، لم يعطه معنى البئر الذي هو الأصل الأصيل في هذا الأمر.
وتعرض لها حديث الأستاذ محمد إسماعيل إبراهيم فقال11):«أصحاب الرس عن إعلان القرآن.
ذكر القرآن أمما لا يعلم حقيقة أمرهم إلا الله بين قوم نوح وعاد وثمود وأصحاب الرس ممن كذبوا رسلهم وحق عليهم العذاب، كانت لهم مواقف تشبه مواقف قريش مع النبي، قص الله إخبارهم، للعظة والاعتبار».
وقد ذكرت هذه المفردة مرة أخرى في القرآن الكريم في الآية 12 من سورة ق، والملاحظ أنها وردت في الآيتين معا، مقرونة بأصحاب.
5) كلمة:«بعلا» في الآية 125 من سورة الصافات. وهي مفردة سبق أن قلنا 12) أنها من لهجة قبيلة حمير، تستعمل بنفس المعنى في القبيلتين.
6) لفظة:«كاظمين» الآية 18 من سورة غافر التي يقول فيها جلت قدرته «وانذرهم يوم الآزفة إذ القلوب لدى الحناجر كاظمين، ما للظالمين من حميم ولا شفيع يطاع» ومعناها بلغة أزد شنوءة مكروبين.
7) مفردة:«غسلين» في الآية 36 من سورة الحاقة التي جاء فيها «ولا طعام إلا من غسلين» ومعناها كما قال العلامة أبو القاسم ابن سلام (13)في ذيل تفسير القرآن العظيم للإمامين محمد بن احمد بن احمد المحلي وجلال الدين عبد الرحمن بن أبي بكر السيوطي:« الماء الحار الذي قد انتهى غليانه شدة، بلغة أزد شنوءة».
وعرفها جل المفسرين بأنها غسالة أهل النار، وما يسيل من أبدانهم من الصديد والدم. ومن هؤلاء الإمام الزمخشري (14)، وأبو القاسم الحسين بن محمد الراغب الأصفهاني (15)، ومحمد إسماعيل إبراهيم(16).
ومعلوم أن غسلين أتت على وزن فعلين، بزيادة الياء والنون.
8) كلمة:«لواحة» الكائنة في سورة المدثر الآية 29 التي جاء فيها «لواحة للبشر» ومعناها بلغة أزد شنوءة حراقة. والكلام عن سقر الواردة في الآية 27 من نفس السورة.
يخيل إلي أن لها صلة متينة بلفظة اللوح المضمومة اللام التي بمعنى العطش، لان شدة العطش يحرق الكبد أيضا.
هذه هي ألفاظ لهجة أزد شنوءة كما وصلت إليها في بحثي، وغير مستبعد أن يجد فيه المتضلع الماهر هفوات وسقطات، ما أظن انه سيبخل علي بإرشاداته وتوجيهاته، وله الشكر سلفا..
لهجة قبيلة عمان:
شاركت لغة عمان في القرآن الكريم بثمانية ألفاظ، وزعت في كتاب الله على الشكل الآتي:
1) مفردة:«الصاعقة» الموجودة في سورة البقرة الآية 55 التي قال فيها جلت قدرته:«وإذ قلتم يا موسى لن نومن لك حتى نرى الله جهرة فأخذتكم الصاعقة وانتم تنظرون» وقد وردت في الكتاب المبين على صيغ مختلفة، أتت ماضيا في الآية 68 من سورة الزمر واتت مضارعا في الطور الآية 45، واتت اسما على صيغة الجمع في الآية 19 من سورة البقرة، وفي الرعد الآية 13. ومعناها بلغة عمان الموتة.
لكن المفسرين لما أعطوها هذا المعنى خافوا أن يشمل أيضا الآية 143 من سورة الأعراف حيث ذكر نبي الله موسى الذي قال عن الحق سبحانه وتعالى في هذه الآية:«وخر موسى صعقا» فأولوها ب:«مغشيا» برر الإمام الزمخشري هذا التأويل بقوله(17):«وموسى عليه السلام لم تكن صعقته موتا، ولكن غشية بدليل قوله تعالى:«فلما أفاق».
ولقد أعجبني تأويل الراغب الأصفهاني لهذه الكلمة حيث جعلها على ثلاثة أوجه (18)، الموت، والعذاب، والنار، ثم قال شارحا هذا الاتجاه:«وما ذكره (أي القرآن (19)فهو أشياء حاصلة من الصاعقة، فان الصاعقة هي الصوت الشديد من الجو، ثم يكون منه نار فقط أو عذاب أو موت، وهي في ذاتها شيء واحد، وهذه الأشياء تأثيرات منها».
2) لفظة«خبالا» الآية 118 من سورة آل عمران التي جاء فيها «يا أيها الذين ءامنوا لا تتخذوا بطانة من دونكم لا يالونكم خيالا ودوا ما عندتم، قد بدت البغضاء من أفواههم وما تخفي صدرهم اكبر، قد بينا لكم الآيات إن كنتم تعقلون». ومعناها «غيا» عمان.
ولقد وردت مرة ثانية في القرآن الكريم في الآية 47 من سورة التوبة «خرجوا فيكم ما زادكم إلا خبالا».
ويرى بعض اللغويين أن الخبال خاص بالحيوان يصيبه فيورثه اضطرابا (20) وقد وردت هذه المفردة في الحديث الشريف. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:«من شرب الخمر ثلاثا كان حقا على الله تعالى أن يسقيه من طينة الخبال».
3) لفظة:«نفقا» في سورة الأنعام الآية 35 التي جاء فيها:«وان كان كبر عليك أعراضهم فان استطعت أن تبتغي نفقا في الأرض أو سلما في السماء فتاتيهم بأية ولو شاء الله لجمعهم على الهدى فلا تكونن من الجاهلين»، ومعناها بلغة عمان «سربا» له ملخص إلى مكان.
والقرآن الكريم هو الذي وسع معناه، فجعل الذي يدخل الإسلام من باب ويخرج من باب آخر منافقا. وما أظن أن هذه اللفظة، بهذه المعنى، كانت معروفة عند العرب قبل نزول القرآن الكريم. ويجعل بعض اللغويين أصل هذه المفردة «نافقا» اليربوع».
ولم استطع أن اعرف الآن، تاريخ ظهور المثل العربي، الذي يقول:«ضل دريص نفقه». اهو قبل نزول القرآن أم بعده؟.
4)كلمة:«خمرا» الكائنة في سورة يوسف الآية 36 التي يقول فيها سبحانه وتعالى:«ودخل معه السجن فتيان، قال احدهما إني أراني أعصر خمرا، وقال الأخر إني أراني احمل فوق راسي خبزا تأكل الطير منه، نبئنا بتأويله أنا نراك من المحسنين»، ومنعاها بلغة عمان عنبا، ويقراها ابن مسعود (21)«عنبا» كما اثبت ذلك الزمخشري(22).
[divider style=”dotted” top=”20″ bottom=”20″]
1) نهاية الإرب، صفحة 253.
2) اللباب، صفحة 30 من الجزء الثاني.
3) التاج صفحة 82 من الجزء الأول.
4) الإعلام الجزء الأول صفحة 288 من الطبعة الثانية
5) ويقصد أزد بن الغوث بن نبت بن مالك بمن زيد بن كهلان، وهو الجد الجاهلي.
6) (Encyclopédie de l’Islam) الجزء الأول صفحة 835 من طبعة 58.
7) «روح المعاني في تفسير القرآن العظيم والسبع المثاني» صفحة 291.
8) «إملاء ما من به الرحمن من وجوه الإعراب والقراءات في جميع القرآن» الجزء الأول، صفحة 43، الطبعة الأولى بالقاهرة، سنة 1961.
9) الكشاف، الجزء 3 صفحة 97.
10) المفردات في غريب القرآن، طبعة القاهرة 19861 صفحة 194.
11) قاموس الألفاظ والإعلام القرآنية، صفحة 144 الطبعة الأولى 1961.
12) دعوة الحق-العدد السادس والسابع من السنة التاسعة- صفحة 26.
(13) الجلالين، صفحة 254 من الجزء الثاني.
(14) الكشاف، الجزء الرابع، صفحة 136.
(15) المفردات في غريب القرآن، الصفحتان: 360-261.
(16) قاموس الإعلام والألفاظ القرآنية، صفحة 274.
(17) الكشاف صفحة 70، الجزء الأول.
(18) المفردات في غريب القرآن، صفحة 281.
(19) الزيادة من كاتب هذه السطور.
(20) المفردات في غريب القرآن، صفحة 142.
(21) (Jeffery) صفحة 49.
(22) الكشاف، صفحة 255 الجزء الثاني.