القرآن الكريم

لم يكن القرآن بلغة قريش فحسب … (قبيلة حميّر) – اليمن-

قبيلة حمير
اما القبيلة الثالثة التى استعار القرآن الكريم منها الفاظا , فهي حمير وتأتى كما وصلت اليه في بحثي , فى الدرجة الثالثة بعد هذيل وكنانة  اذ تشارك فى القرآن الكريم بحصة مهمة بلغ تعدادها 26 لفظة.
ولا يعزب عن احد الفرق الكبير الموجود بين لغة حمير هذه ولغة قريش , قال الدكتور طه حسين فى كتابه ( الادب الجاهلي ) : ( إن هناكط خلافا قويا بين لغة حمير ( وهي العرب العاربة ) , ولغة عدنان ( وهي العرب المستعربة ) وقديما قال العالم اللغوي المشهور ابو عمرو بن العلاء : ( ما لان حمير بلساننا , ولا لغتهم بلغتنا ) غير ان مثل هذا البحث , ان كان مجد , فقد يقودنا الى ابعد مما نريده , وهو من جهة اخرى امر آخر لا يدخل فيما عزمنا عليه من كتابته , ولذا نتركه لغيرنا يخوض فيه اما نحن فلنبحث في القرآن الكريم عن المفردات الحميرية , نحدد مكانها فى الكتاب العزيز , ونحاول شرحها جهد المستطاع.
1.    “سيدا” في قوله تعالى : فنادته الملائكة وهو قائمٌ يصلي في المحراب ان الله يبشرك بيحي مصدقا بكلمة من الله وسيدا وحصورا ونبيا من الصالحين ) الآية 39 من سورة آل عمران , ومعناها (الحكيم) بلغة حمير.
وبما انها قرشية قام اللغويون القدماء , الذين كانوا لا يحبون ان يسمعوا ان مفردة من غير لغة قريش استعملت فى القرآن , يبحثون عن اوزان في اللغة القريشية الفصيحة وعندما اعياهم البحث ولم يجدوا مبتغاهم , قالوا كما قال اسماعيل ابن حماد الجوهري في قاموسه الصحاح : ( لان تقدير سيد فعيل وهو مثل سري وسراة ولا نظير لهما ) وهو كلام لا يقنعنا لانه لا يفيد شيئا.
ولا ادري هل كلمة “السيد” التى تعغنى المسن من المعز , والتى اوردها النبي صلي الله عليه وسلم في حديثه الشريف حين قال : ثني الضا خير من السيد من ” المعز ” اخذت من السيد الحميرية ام لا . ولا احب ان اقول شيئا ما دامت بحوثي في هذا الباب لم تأت بطائل بعد.
2.    لفظة ” تفشلا” بسورة آل عمران الآية 122 ومعناها “تجبنا” والخطاب موجه الى طائفتين من المجاهدين وهما حيان من الانصار الاول بنو سلمة وهم (الخزرج) والثاني بنو الحارثة وهم (الاوس) , وكانا يمثلان جناحي جيش رسول الله صلى الله عليه وسلم , لا يزيد عدده على الف مجاهد . وكان من بينهم المنافق عبدالله بن ابي الذي استطاع ان يوسوس في نفس بني سلمة وبني الحارثة , وكاد ان يكرههم في الجهاد في سبيل الله لولا ان عزم الله لهم على الرشد.
واخرج الشيخان عن جابر عن عبدالله قال : ( فينا نزلت بني سلمة وبني الحارثة : إذ همّت طائفتان منكم ان تفشلا )
3.    كلمة “سفاهة” في الآية 66 من سورة الاعراف ومعناها جنون في هذه اللغة . والحق سبحانه وتعالى يشرحها اكثر في الآية اللاحقة إذ يقول : ( قال يا قوم ليس بي سفاهة ولكني رسول من رب العالمين ) وليس بهذا النبي جنون ولكنه رسول حق وهداية وناصح امين وهذه المادة مذكورة احدى عشرة مرة : خمسة في البقرة وواحدة فى النساء, واحدة في الانعام, ثلاثة في الاعراف, وواحدة فى الجن.
ولا بد ان ابدي هنا ملاحظة عنت لي , ارجو الله ان اكون موفقا فيها , اعتقد ان اصل هذه الكلمة الحميرية سفه بضم الفاء دون غيره , ومن هنا يكون الفعل لازما لأن فعل بالضم لا يكون متعديا ابدا , فيقال فيها سفه فلاه اي جُن.
واما سفه بالكسر فيكون اصلها السفه الذي هو ضد الحلم واصله الجفة والحركة وتكون قرشية.
والذي يعزز ما ذهب اليه ما يذكطره عرضا اللغويون القدماء في هذه الكلمة , فقد اجمعوا كلهم تقريبا علي ان : ( سفه فلان بالضم سفها وسفاهة وسفه بالكسر سفها , لغتان اي صار سفيها ) .
4.    مفردة “زيلنا” الكائنة في سورة يونس الآية 28 ومعناها ميزنا بلغة حمير . وفي القرآن لفظة اخرى من مادتها وهي “تزيلوا” في الآية 25 من سورة الفتح : ( لو تزيلوا لعذبنا الذين كفروا منهم عذابا اليما ) .
5.    كلمة “مرجوا” في الآية : ( قالوا يا صالح قد كنت فينا مرجوا قبل هذا اتنهانا ان نعبد ما يعبد ءاباؤنا واننا لفي شك مما تدعونا اليه مريب ) الآية 62 من سورة هود ومعناها بلغة حمير “حقيرا”.
واعتقد ان هذه الكلمة صادفت بشكل عرضي غريب اسم المفعول من فعل رجا.
والواقع ان سياق الكلمة الكريمة يستقيم بعض الشيء عندما تعطي لهذه اللفظة المعنى الذي يحمله اسم المفعول من رجا . واليه ذهب الزمخشري في كتابه الكشاف1  ولكنه وهو اللغوي البارع , لاحظ ان الشرح بقي مغبونا , فصار يأتي بالتاويلات عله يعطي للآية الشريفة ما تستحق من بيان وتوضيح.
وهكذا اتى بثلاث تأويلات لهذه الكلمة فقال فى التأويل الاول ما مؤاده : ( كانوا يرون فيه مخايل الخير ) وقال في التأويل الثاني : ( وكانوا يرجون الانتفاع به , ولكن انقطع رجاؤهم لما نطق بما نطق به ) اما التأويل الاول فقد رواه عن ابن عباس الذي فسر مرجوا بـ ( فاضلا ) و ( خيرا ) واخيرا اولها بانهم كانوا يرجون ان يدخل في دينهم.
لكن تفسير الآية يستقيم تمام الاستقامة بما للفظة من معنى في لغة حمير وعلم ذلك عند الله.
6.    لفظة “السقاية” الكائنة في الآية 70 من سورة يوسف ( فلما جهزهم بجهازهم جعل السقاية في رحل اخيه ثم اذن مؤذن ابتها العير انكم لسارقون ) كما جاءت نفسي هذه اللفظة فى الآية 19 من سورة التوبة.
ومعناها في لغة حمير الاناء مطلقا . لكن الشراح اولوها تأويلات طويلة فمنهم من شرحها بمشربة
ومنهم من قال انها هي صواع الملك الذي تكلم عنه القرآن في الآية 72 من نفس السورة : ( قالوا نفقد صواع الملك , ولمن جاء به حمل بعير وانا به زعيم ) وقالوا انها هي المكوك الفارسية .

7.    لفظتا “حما مسنون” وقد وردتا ثلاث مرات في سورة الحجر في الآيات 26 و 28 و 33 ولم تردا في مكان آخر من القرآن , والحما بلغة حمير هو الطين ولعله الطين الاسود , والمسنون المنتن المتغير.
ولقد ذهب الشراح هنا مذاهب مختلفة , كل حسب اجتهاده , ومداركه اللغوية , فمن اراد التوسع رجع الى المطولات يجد ضالته.
والملاحظ هنا ان اللفظتين لم تردا فى القرآن الكريم منفصلتين ابدا . وهذا يقوم دليلا قاطعا على ان الحما لا يكون الا مسنونا , والمسنون لا يكون الا من حما , واستعمالهما منفردتين خطأ , اعتقد ان اللغة العربية لا تسمح به.
8.    الكلمة “فسينغضون” فى الآية ( فسينغصون اليك روؤسهم ويقولون متى هو ؟ ) والتى رقمها 51 من سورة الاسراء . ومعناها (يحركون) بلغة حمير . ولم ترد هذه المفردة الا في هذه الآية , ولهذا ندر جدا استعمالها في اللغة العربية .
9.    “مسطورا” في الآية 58 من سورة الاسراء , ومعناها ( مكتوبا ) بهذه اللغة وما من شك ان الفعل المضارع يسطرون في الآية ( ن والقلم وما يسطرون , ما انت بنعمة ربك بمجنون ) رقم 1 من سورة القلم هي من نفس المادة .
ولقد وردت لفظة مسطورا بهذه الصيغة في آيتين اخريين هما : ( والطور وكتاب مسطور في رق منشور ) الآية 2 من سورة الطور . و ( والا ان تفعلوا الى اوليائكم معروفا كان ذلك فى الكتاب مسطورا ) الآية 6 من سورة الاحزاب .
10.     “حسبانا” في قوله تعالى : ( فعسى ربي ان يؤتيني خيرا من جنتك ويرسل عليها حسبانا من السماء ) الآية 140 من سورة الكهف . ومعناها بردا بلغة حمير . ولعل حسبانا الكائنة فى الآية 96 من سورة الانعام من هذه اللغة ايضا .
11.    “عتيا” في الآية الكريمة رقم 8 : ( وقال رب انى يكون لي غلام وكانت امرأتى عاقرا وقد بلغت من الكبر عتيا ) في سورة مريم . ومعناها بلغة حمير تحولا وهو فيما ذهب اليه اكثر الشراح نهاية السن التى يقدرها جلهم بمائة وعشرين سنة , واصل هذه المفردة عند النحاة عتا كغزا فيكون اصلها واوا .
واغلبية العلماء على ان اصل عتيا عتوا ثم يذهبون في تحويل الواو ياء مذهبا غريبا , فيقولون ثم يذهبون فى تحويل الواو ياء مذهبة غريبا , فيقولون ان ضمة التاء انقلبت كسرة2 وهذه الكسرة ادت الى تحويل الواو الاول فى عوت ياء ليجانس كسرة التاء ثم تجتمع ياء وواو اخيرة فتنقلب هذه الى ياء ثم يقع الادغام .
اما محمد بن السري النحوي فيقنن هذا الامر حين يقول : ( وفعول اذا كانت جمعا فحقها القلب ,

واذا كانت مصدرا فحقها التصحيح لان الجمع اثقل عندهم من الواحد ) .
ولذا جاز ان يقول القرآن الكريم في سورة الفرقان الآية 25 : ( لقد استكبروا في انفسهم وعتو عتوا كبيرا ) لأنه مصدر , وبما انه مفرد اتى صحيحا .
وجاز له ان يقول في الآية 21 من سورة الملك ( بل لجو في عتو ونفور ) .
لكنه قال في سورة مريم : ( ثم لننزعن من كل شيعة ايهم اشد على الرحمن عتيا ) فكان حظه القلب لأنه جمعا .
هذا من حيث تصريف الكلمة , واما من حيث قرائتها فلا بد من كلمة ولو قصيرة في هذا الباب لأنها ستبين لنا ان المفردة عندما تكون دخيلة على لغة قريش , غير معروفة عندهم يقع في نطقها خلاف كبير مما يؤكد غرابتها من اللغة القريشية . يقول الزمخشري في كشافه3 عند شرحه لهذه المفردة : ( وقرا بن وثاب وحمزة والكسائي بكسر العين وكذلك صليا وابن مسعود بفتحهما , وقرأ ابي ومجاهد عسيا ) .
ويخي الي انا الامام الزمخشري وهو من هو , لم يحقق في هذا الامر كما تعهد ذلك فيه , وانا مع ضعفي , وضالة علمي , وقصر معرفتي , لا ارد , وما انا بقادر ان ارد على جار الله , وهو ما هو في هذا العلم , وانما احببت ان ابدي للناس ملاحظة , ظننت , غفر الله لي , انها على الصواب , وليس هذا طعنا يوجه إلى الامام , وما استطاع ان يطعن فيه حتى من كنت اتمنى ان اكون تلميذا له , وليس هذا نقصا يمكن ان يؤخذ به الزمخشري وانما هو سهو , او لعله على الاصح اغفال مقصود من السيد المؤلف خوفا من التطويل ورفقا لطيفا بالقراء .
اما نحن , ومهمتنا الآن الحديث عن الالفاظ الدخيلة على لغة قريش في القرآن الكريم فمطالبون بذكر – ولو من حين لحين , القراءات المختلفة , واوجه  النطق بالمفردة اذ , من شأن ذلك ان يلقي ضوءا على ما نحن بصدد تبيانه للناس , يقول الزمخشري : “وقرا” ابن مسعود بفتحهما لكن المشهور هو ان ابن مسعود لم يقرأهما بالفتح قط , وانما قرأهما بالكسر ايضا4 وقال الزمخشري : ( وقرا بي ومجاهد عسيا ) لكن ابي بن كعب ومجاهد لم يقرا فقط ( عسيا ) وانما قراها ايضا عتيا بالكسر5 كما ان الزمخشري اغفل قراءة ابن عباس الذي قراها ايضا عسيا وعتيا6 والغرض من كل هذا , هو ان نفهم ان نطق هذه المفردة لم يكن بالشيء البسيط , وانما نطق بها كل واحد من القراء حب مداركه . ولعل ذلك عائد الى غرابتها .
12.     لفظة “مآرب” في قوله تعالى : ( قال هي عصاي اتوكأ عليها واهش بها على غنمي ولي فيها مآرب أخرى ) الآية 18 من سورة طه , معناها بلغة حمير حاجات . وفي هذه الكلمة لغات لا شك انها كلها من اصل حميري , وهذه اللغات هي , ارب وارب وما ربة بضم الراء وما ربه بفتحها , وارية وهذه الكلمة الاخيرة هي الوحيدة من هذه اللغفات , غير ما  رب طبعا , التى استعملت في القرآن الكريم , في الآية 31 من سورة النور في قوله : ( او ما ملكت اسمانهن او التابعين غير اولي الاربة ) والغالب على الظن ان الكلمة الحميرية مآرب هي الكلمة الاولى التى دخلت اللغة العربية الفصيحة بدليل وجودها في مثل عربي قديم هو : ( ماربه لا حفاوة ) .
13.     كلمة “غرام” في الآية 65 من سورة الفرقان , ومعناها بهذه اللغة بلاء , وكثيرا ما يشرحها المفسرون بالعذاب الملازم لان الغرام بلا ملازم , وفي هذا المعنى استعمله الاعشى حين قال :
ان يعاقب يكن غراما وان يعــ ** ـــط جزيلا فانه لا يبالي
14.     لفظة “الصرح” في الآيبة 44 من سورة النمل : ومعناها بلغة حمير البيت لكن الشراح يفسرون الكلمة معتمدين على القرائن لا على اصل المفردة , واعتقد انهم على حق ما داموا لم يبتعدوا عن المعنى الاجمالي الذي قصد اليه الحق سبحانه . وهكذا شرحها الامامان جلال الدين محمد بن احمد المحلي وجلال الدين عبدالرحمن ابن ابي بكر السيوطي بقولهما : ( هو سطح من زجاج ابيض شفاف تحته ماء عذب جار فيه سمك اصطنعه سليمان لما قيل له ان ساقيها ( والكلام عن بلقيس ) وقدميها كقدمي الحمار , ويفسرها الزمخشري بقوله : ( الصرح : القصر , وقيل صحن الدار ) وجميع المفسرين على هذا .

15.     لفظة “انكر” في قوله تعالى : ( واقصد في مشيك واغضض من صوتك ان انكر الاصوات لصوت الحمير ) الآية 19 من سورة لقمان . ومعناها بلغ حمير اقبح الاصوات .

16.    مفردة “بعلا” في الآية 125 من سورة الصافات ومعناها بلغة حمير الرب , وتجدر الاشارة هنا الى ان بعض الشراح ذكروا اصل هذه المفردة , ومن بينهم الزمخشري الذي قال : ( البعل الرب بلغة اليمن7 ) ولكنهم يذهبون كلهم تقريبا الى تأويل آخر فيذكرون ان البعل كان علما لصنم من اصنامهم مصنوع من ذهب طوله عشرين ذراعا وله اربعة اوجه , وعينوا له اربعمائة سادن جعلوهم انبياءه , ومما زين لهم ذلك ان الشيطان كان يدخل جوفه ويكلمهم بشريعة الضلالة . ويذكرون ان سكان بعلبك بالشام هم المعنيون بهذه الآيات . ويحسن ان انبه الى ان بعلا يوجد بمعنى الرب ايضا فى لغة ازد شنؤة.
17. «مرض» الكائنة في الآية 32 من سورة الأحزاب ومعناها بهذه اللغة الزنا. وواضح أنه لا يستقيم معنى هذه الآية إلا بالدلالة الحميرية لهذه الكلمة، ولقد فسرها عبد الله بن عباس بهذا المعنى الحميري وعزز ذلك ببيت الأعشى الذي جاء فيه:
حافظ الفرج راض بالتغني ليس ممن قلبه فيه مرض(8)
ولا بد أن أنبه إلى أن كلمة «مرض» مقرونة بكلمة قلب كما في هذه الآية كثيرة جدا، ولكنها لا تدل، في نظري، على الزنا، بل تعنى في أغلب الأحيان الشك والنفاق وضعف الإيمان، ويمكن أن نؤولها بأن الحق سبحانه وتعالى يمرض قلوبهم أي يضعفها، ولهذا لم ندخل ضمن الكلمات الحميرية إلا هذه المفردة الموجودة في الآية 32 من سورة الأحزاب. وغير مستبعد أن تحوم كلها حول معنى لا يبعد في مجمله عن المعنى الحميري الأصيل.
ولنمثل لذلك بآية البقرة رقم 10 التي يقول الحق سبحانه فيها: ?فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ؛ فَزَادَهُمُ اللّهُ مَرَضاً? ويعني عز وجل في قلوبهم ضعف، زادهم الله ضعفا على ضعفهم.
18. لفظة «مقاليد» الكائنة في الآية 63 من سورة الزمر التي يقول فيها الحق سبحانه وتعالى: ?لَهُ مَقَالِيدُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِ اللَّهِ أُوْلَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ? ومثلها في الآية 12 من سورة الشورى التي يقول فيها الله عز وجل: ?لَهُ مَقَالِيدُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَن يَشَاء وَيَقْدِرُ إِنَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ?‏ ومعناها بلغة حمير مفاتيح.
أعتقد أنه حان الآن إبداء ملاحظة هامة، فعندما نقول إن هذه المفردة هذلية أو كنانية أو حميرية لا نعني بذلك، أن هذه المفردة هذلية أو كنانية أو حميرية لا نزاع في انتسابها إلى اللغة التي أدخلناها فيها أو اننا نجزم جزما قاطعا ونحمل الناس على أن يعتقدوا هذا الاعتقاد بأن مفردة ما هي من لغة معينة لأن عندنا حججا علمية دامغة لا تقبل أدنى شك، وإنما نريد أن نقول إن من المرجح أن هذه المفردة عرفت وانتشرت في اللهجة الفلانية وفيها استعملت استعمالا واسعا قبل أن يتبناها القرآن فيصبغ عليها الصبغة العربية الفصيحة.
ويظهر لي أنه يستحيل- وهذا العلم ما زال في مهده- لاسيما في هذا العالم العربي أن نقول إن هذه المفردة من أصل كذا، ونركن إلى هذا القول مطمئنين ثم نغلق باب البحث والتنقيب.
وحجة ما نقول المفردة « مقاليد» التي نحن بصدد الحديث عنها، لقد أدمجناها في لغة حمير، لأن كثيرا من اللغويين القدماء قالوا ذلك، لكن الحقيقة هي أنها استعملت فقط في هذه اللهجة في وقت مبكر وقبل أن تستعمل في اللهجة القرشية؛ فهي إذا من أصل حميري بالنسبة للهجات العربية فقط، لا بالنسبة للغات العالم؛ ولهذا لا نقول بأنها من أصل حميري أصالة.
هذه من جهة، ومن جهة أخرى فنحن نملك الآن الحجة العلمية على أنها دخيلة فيها وأنها فارسية، وإذا كان السيوطي الذي اهتم بالمعرب في القرآن اهتماما بالغا قد أغفل الإشارة إلى « مقاليد» سواء في كتابه « ما وقع في القرآن من المعرب» الذي أسعدني الحظ فاطلعت عليه في دمشق في مخطوط مضاف إلى المهذب الذي ينسب إليه أيضا، أو في كتابه « الإتقان في علوم القرآن(9) الذي عنونه بـ: « فيما وقع فيه (أي القرآن) بغير لغة العرب» -أقول إذا أغفل السيوطي ذلك فقد أشار إليه الإمام الزمخشري آن تعرضه لشرح مفردة «مقاليد» حيث قال(10): « وقيل مقليد ويقال إقليد وأقاليد والكلمة أصلها فارسية». أما أن تكون المفردة في الفارسية مقاليد، فهذا غير صحيح، لأننا نعرف الآن أن كلمة مفتاح في اللغة الإغريقية هي:xhsidoc وهي في حالة النصب وينطق بها klidha(11)، ويذهب الزمخشري أن ليس لهذه المفردة واحد من لفظها إذ أنه لا يعتبر الأصل الإغريقي، وإلا لكان مفردها هو إقليد. لكن العلامة إسماعيل بن أحمد الجوهري صادف الصواب لما ذكر في الصحاح(12) أن مفردة مقاليد إقليد أو مقلد، أما الصيغة الأولى فهو الأصل الإغريقي، وهو صحيح كما رأيت، وأما الثانية فهي الصيغة العربية للكلمة الإغريقية الدخيلة، غير أنه لم يذكر على كل حال أن المفردة من أصل إغريقي.
هذه هي الملاحظة التي عنت لي، وكان لابد من إبدائها قبل مواصلة البحث حتى لا يعترض علينا معترض فيما سكتنا عنه؛ اعتقادا منا أنه معروف لدى العام والخاص، زد على ذلك أن المفردة التي ندخلها في زمرة القبيلة الحميرية مثلا، قد ينسبها بعض العلماء غير المحققين إلى قبيلة أخرى. وبما أنه في كثير من الأحيان نظر لا يعتد به، سكتنا عنه خوفا من التطويل، وترفعا عن ذكر الخلافات التي لم تأت بطائل، ورفقا بقرائنا من الدخول بهم في منعرجات لا نهاية لها، ولا نفع يرجى من ورائها.
19. لفظة «يَتِركم» في الآية 35 من سورة القتال التي يقول فيها الحق سبحانه ?فَلَا تَهِنُوا وَتَدْعُوا إِلَى السَّلْمِ وَأَنتُمُ الْأَعْلَوْنَ وَاللَّهُ مَعَكُمْ وَلَن يَتِرَكُمْ أَعْمَالَكُمْ?» ومعناها بهذه اللغة ينقصكم.
أورد الجوهري هذه الآية نفسها وشرح كلمة يتركم قائلا(13): « أي لن ينقصكم في أعمالكم» كما تقول: دخلت البيت وأنت تريد دخلت في البيت. فهذه الكلمة لا تدل هنا إذاً على الذي قتل له قتيلا فلم يدرك بدمه، كما ذهب إلى ذلك الإمام الزمخشري حين قال(14) : «ولن يتركم من وترت الرجل إذا قتلت له قتيلا من ولد أو أخ أو حميم».
ولعل معنى الكلمة في الحديث الشريف (من فاتته صلاة العصر فكأنما وتر أهله وماله) يوافق ما ذهبنا إليه.
20. لفظة «معكوفا» الآية 25 من سورة الفتح ومعناها بلغة حمير محبوسا؛ لكن الإمام جلال الدين السيوطي الشافعي جعلها من لغة جرهم، وأوردها في كتابه الإتقان في علوم القرآن(15) في النوع السابع والثلاثين.
21. لفظة «ألتناهم» الآية 21 من سورة الطور ومعناها نقصانهم بلغة حمير وقد سكت عنها جل المهتمين بلغة القبائل، إلا العلامة أبا القاسم بن سلام. وذكرها الجوهري في الصحاح في باب التاء فصل الألف ويعني ألت الثلاثي، وأضاف: «مثل لاته يليته وهما لغتان حكاهما اليزيدي عن أبي عمرو بن العلاء»(16).
وكلما نص عالم لغوي أو مفسر على أن مفردة ما، فيها لغتان؛ فمعنى ذلك أن المفردة المعنية بالأمر توجد في لغة أخرى غير لغة قريش، وأقر أنني جعلت من هذا مبدأ للبحث عن الكلمة ومحاولة تحديدها.
واللفظة «ألت» التي نحن بصدد الحديث عنها دليل على ذلك، فقد رأينا ما قاله الجوهري في كتابه، وهو وحده كاف لإرشادنا إلى أن المفردة توجد في غير لغة قريش، ونضيف، لتعزيز ما نقول، ماذكره عنها الإمام الزمخشري(17) وهو يعتمد في توضيحها على قراآتها المختلفة- وما قراءاتها إلا لهجاتها التي تنسب إليها- ومعلوم أن هذه المفردة لها أربع قراءات:
1. ألتناهم: وهو من بابين: ألت وألات يليت
2. آلتناهم: من آلت يؤلت
3. لتناهم: من لات يليت
4. لتناهم: من ولت يلت
22. كلمة «زعم» الآية 9 من سورة التغابن ومعناها بلغة حمير ادعى «باطلا»، وكل ما تركب منها في القرآن الكريم فهو بمعنى باطل. وإذا كنت ذكرت هذه هنا فقط، فإنما هي الصيغة الوحيدة في كتاب الله العزيز التي وردت مسندة إلى المفرد المذكر
23. «أعجاز» في الآية 7 من سورة الحاقة التي يقول فيها الحق سبحانه وتعالى: ?فَتَرَى الْقَوْمَ فِيهَا صَرْعَى كَأَنَّهُمْ أَعْجَازُ نَخْلٍ خَاوِيَةٍ? ومثلها في الآية 20 من سورة القمر التي جاء فيها: ?تَنزِعُ النَّاسَ كَأَنَّهُمْ أَعْجَازُ نَخْلٍ مُّنقَعِرٍ?.
24. لفظة « وبيلا» الآية 16 من سورة المزمل التي يقول فيها الحق سبحانه وتعالى: ?فَعَصَى فِرْعَوْنُ الرَّسُولَ فَأَخَذْنَاهُ أَخْذًا وَبِيلًا? ومعنى الوبيل بلغة حمير الشديد.
ويقول الاخفش إن «وبيلا» أخذت من الوابل وهو المطر الشديد. ثم وسع اللغويون استعمالها فقالوا: ضرب وبيل، وعذاب وبيل.
أما وبيل فيمكن أن تكون حميرية أو دخلت اللغة الحميرية في وقت مبكر جدا.
وأما الوابل التي يظن الأخفش أنها أعطت وبيلا فالاعتقاد عندي أنه وهم خاطئ.
والمعتمد عليه الآن، هو أن «المطر الشديد باللغة الآرامية- وهي اللغة التي سادت بلاد الشرق الأدنى القديم حوالي سنة 50 قبل الميلاد- هو Ybel [رموز كتابية](18) التي أعطت في اللغة العربية «وبل».
وما من شك أن مكان الماء لبني أسد(19) الذي يطلق عليه «وبال»متأثر، شديد التأثر بهذا.
25. لفظة «مرقوم» في الآية 9 من سورة المطففين التي جاء فيها «كتاب مرقوم» ومعناها كتاب مختوم بلغة حمير، وقد كررها الحق سبحانه وتعالى في نفس هذه السورة في الآية 20 حين قال: ?كَلَّا إِنَّ كِتَابَ الْأَبْرَارِ لَفِي عِلِّيِّينَ وَمَا أَدْرَاكَ مَا عِلِّيُّونَ‏ كِتَابٌ مَّرْقُومٌ?.
ومن الملاحظ أن السيوطي أغفل هذه اللفظة فلم يذكرها ولعل الذين ينقل عنهم لم يذكروها. وأما الزمخشري فيشرحها بشرح خفيف(20) لا يفيد شيئا حيث يقول: «وهو كتاب مرقوم مسطور بين الكتابة أو معلم يعلم من رآه أنه لا خير فيه».
26. كلمة «رابية» في الآية 10 من سورة الحاقة، ومعناها «شديدة» بلغة حمير.
ذكرها الجوهري في مادة ربا وربوة بالضم والفتح والكسر مع تسكين الباء في الجميع ورباوة بفتح الراء، لكن صاحب اللسان زاد لغتين هما: رباوة ورباوة بالضم والكسر(21).
ولقد شرح معنى هذه اللفظة في هذه الآية العلامة الفراء بقوله: «زائدة».
ذكرت في الحلقة السابقة أن عدد ألفاظ لغة حمير هو 26 لفظة، وقد تبين لي بعد أن نشر الجزء الأول من هذه الحلقة أنني أغفلت لفظتين، أحب أن أضيفهما إلى لهجتهما معتذرا.
27. لفظة «مدينين» في قوله تعالى: ?فَلَوْلَا إِن كُنتُمْ غَيْرَ مَدِينِينَ تَرْجِعُونَهَا.. ?‏ في الآية 86 من سورة الواقعة. ومعناها بلغة حمير محاسبين، ولها معنى آخر بلغة كنانة كنا أشرنا إليه في ألفاظ لهجة هذه القبيلة.
أما الزمخشري فيجعلها من مادة دان ويمثل لذلك بقوله: «دان السلطان الرعية إذا ساسهم»(22) وأعتقد أنها من ذوات الياء، ذلك أن الجوهري جعلها في مادة دين(23).
28. لفظة «إمام» في قوله تعالى: ?وَكُلَّ شَيْءٍ أحْصَيْنَاهُ فِي إِمَامٍ مُبِينٍ? الآية 12 من سورة يس وفي قوله تعالى: ?يَوْمَ نَدْعُو كُلَّ أُنَاسٍ بِإِمَامِهِمْ? الآية 71 من سورة الإسراء، ومعناها بلغة حمير: «كتاب».
وجدير بالذكر أن أنص على أن من القراء من قرأ «بإمامهم» في هذه الآية بـ «بكتابهم» منهم عبد الله بن مسعود(24) المتوفى سنة 33 هجرية وعبيد ابن كعب(25) المتوفى سنة 29 هجرية.
هذه هي الألفاظ الحميرية الواردة في كتاب الله العزيز، أرجو أن أكون وفقت في إحصائها، وأحسنت شرحها. فإذا كنت أغفلت ألفاظا، وأسأت شرح بعض ما ذكرت؛ فليكن عذري أنني أخلص النية معتمدا على الله.

[divider style=”dotted” top=”20″ bottom=”20″]

1- الجزء الثاني صفحة 223 طبعة القاهرة سنة 1354.
2- ويذكر صاحب الصحاح صفحة 2418 وجها آخر لسبب كسر التاء فارجع اليه .
3- الطبعة المصرية سنة 1354 هجرية الجزء 2 صفحة 406.
4- انظر كتاب المصاحف للحافظ ابي بكر عبدالله بن ابي داود سليمان ابن الاشعث السجستاني الذي حققه المستشرق ( Arthur Jeffery  ) طبعة ( Leiden E. J..Bull ) 1937 صفحة 58 .
5- نفس المصدر صفحة 144 بالنسبة لابي بن كعب وصفحة 280 بالنسبة لمجاهد .
6- نفس المصدر صفحة 201
7- الكشاف – نفس الطبعة السابقة صفحة 310 من الجزء الثالث .
(8) – الإتقان في علوم القرآن للإمام جلال الدين السيوطي ج 1 صفحة 124 طبعة القاهرة 1368 هجرية.
(9) – المصدر السابق. النوع الثامن والثلاثون صفحة 136 من الجزء الأول.
(10) – الكشاف الجزء الثالث صفحة 354 طبعة القاهرة سنة 1354 هـ.
(11) – غرائب اللغة العربية صفحة 253 بيروت 1959.
(12) – صفحة 525 من الطبعة القاهرية سنة 1376هـ- 1956م.
(13) – صفحة 843 من كتاب الصحاح الطبعة السابقة.
(14) – الكشاف الجزء الثالث صفحة 460.
(15) – الجزء الأول صفحة 135 من الطبعة السابقة الذكر.
(16) – الصحاح- الطبعة السابقة صفحة 241.
(17) – الكشاف صفحة 35 الجزء الرابع
(18) – غرائب اللغة العربية للأب رفائل نخلة اليسوعي صفحة 209.
(19) – الجوهري الصحاح ج 5 صفحة 1840.
(20) – الكشاف الجزء الرابع صفحة 1956 من الطبعة السابقة الذكر.
(21) – ولقد حملتنا كثرة هذه اللغات على اعتقادنا أنها دخيلة على لغة قريش انظر اللفظة 21 من لغة حمير الكشاف الجزء الرابع صفحة 62.
(22) – الكشاف الجزء الرابع صفحة 62.
(23) – الصحاح صفحة 2118.
(24) – jeffery materials for the history of the texte of the quran صفحة 55.
(25) – المصدر السابق صفحة 142.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

لا نستخدم اعلانات مزعجة ، لطفاً يرجى تعطيل مانع الاعلانات ظهور الاعلانات يساعد موقعنا على الاستمرار وتغطية التكاليف