لم يكن القرآن بلغة قريش فحسب … قبيلة خثعم ومذحج – اليمن –

قبيلة خثعم (1)
تنسب هذه القبيلة إلى قحطان وهي كهلانية. كانوا يسكنون قديما في سروات اليمن والحجاز. وكان لهم مكان مقدس يعبدون فيه صنمهم الذي كانوا يسمونه بذي الخلصة، وكانوا يظاهرون بهذا المكان مكة المكرمة إلى درجة أنهم أطلقوا عليه في حقبة من تاريخهم «الكعبة اليمنية».
تتفرع خثعم عن أربع قبائل هي: كود وناهس وأكلب وشهران. ومعنى خنعم الشبع (2) شاركت هذه القبيلة في القرآن الكريم بسبعة ألفاظ وزعت فيه حسب البيان الآتي:
1) مفردة: «تسيمون» في سورة النحل الآية 10 التي يقول فيه اله تبارك وتعالى: «هو الذي أنزل من السماء ماء لكم منه شراب ومنه شجر فيه تسيمون» ومعناها بلغة خثعم «ترعون» واعتقد أن الأصل القديم الذي انحدرت منه هذه المفردة هو «السوم» الذي أصاب شرحه العلامة أبو القاسم الحسين بن محمد المعروف بالراغب الأصبهاني حين قال: (3) «السوم أصله الذهاب في ابتغاء الشيء، فهو لفظ لمعنى مركب من الذهاب والابتغاء».
ولقد تفرع من هذه المادة صيغ كثيرة موجودة في القرآن الكريم ك «الخيل المسومة» في الآية 14 من سورة آل عمران. و «مسومة عند ربك» في هود والذاريات.
جاء في الصحاح (4) «والسوم والسائم بمعنى وهو المال الراعي».
2) كلمة «شططا» في الآية 14 من سورة الكهف التي جاء فيها: «وربطنا على قلوبهم إذ قاموا فقالوا ربنا رب السماوات والأرض لن ندعو من دونه إلها لقد قلنا إذا شططا» ومعناها بلغة خثعم كذابا؟
ولقد وردت أيضا بهذا المعنى في سورة الجن الآية 4 قال تعالى: «وانه كان يقول سفيهنا على الله شططا» والأصل في ذلك كما جاء عند المحققين (5) الإفراك في البعد الشطط عموما: مجاورة القدر في كل شيء وبه ورد الحديث الشريف «لها مهر مثلها لا وكس ولا شطط».
3) كلمة: «منساته» في سورة سبأ الآية 14 التي جاء فيها: «فلما قضينا عليه الموت ما دلهم على موته إلا دابة الأرض تأكل منساته، فلما خر تبينت الجن أن لو كانوا يعلمون الغيب ما لبثوا في العذاب المهين» ومعناها بلغة خثعم العصا. وهو بهذا الاستعمال ذاته في لهجتي حضر موت وانمار.
وسميت العصا منساة «لأنه يطرد بها ويؤخر (6)» ويقول الزمخشري أنها «تقرأ بفتح الميمي وتخفيف الهمزة قلبا وحذفا وكلاهما ليس بقياس» ولكنه لم يشر إلى من يقرأها على هذا الشكل. وبيان قرائتها فيما علمت كما يلي:
أ – قراءة ابن مسعود: منسأته بكسر الميم والتاء مع عدم تخفيف الهمزة ومن سأته مع جعل من حرف جر وتاء مكسورة وعدم تخفيف الهمزة (7) ويشرح الزمخشري هذا الوجه الأخير فيقول «ومن سأته أي من طرف عصاه سميت بسأة القوس على الاستعارة وفيها لغتان(8)»
ب – قراءة أبي بن كعب: منسأته يوافق في ذلك قراءة ابن مسعود الأولى، منسته بحذف الهمزة تماما (9)
ج – قراءة بن جبير: منسأته ومن سأته يوافق في ذلك قراءة ابن مسعود تماما.
ومن هذه القراءات تتضح لنا غرابتها، وتظهر غرابتها أكثر في القراءة «من سأته» التي يقول عنه أبو البقاء عبد الله بن الحسين بن عبد الله العكبري في كتابه «إمالاء ما من به الرحمن من وجوه الإعراب والقراءات في جميع القرآن: (10)» وقريء في الشاذ «من سأته» بكسر التاء على أن «من» حرف جر؛ وقد قيل غلط قارئها» ويزيد العكبري رادا على ابن جني فيقول: «وقال ابن جني سمت العصا سأة لأنها تسوء، فهي قلة والعين محذوفة وفيها بعد.»
4) مفردة «واق» في قوله تعالى: «أولم يسيروا في الأرض فينظروا كيف كان عاقبة الذين كانوا من قبلهم هو أشد قوة وءاثارا في الأرض فأخذهم الله بذنوبهم وما كان لهم ن الله من واق» ومعناها مانع بلغة خثعم. وهذه المفردة موجودة في الآية 21 من سورة غافر. ولقد كررها الحق سبحانه وتعالى بنفس الصبغة مرتين في سورة الرعد في الآيتين 34 و38.
5) كلمة «مريج» الموجودة في الآية 5 من سورة والتي يقول الله سبحانه وتعالى فيها: «بل كذبوا بالحق لما جاءهم فهم في أمر مريج» ومعناها بلغة خثعم مستتر.
ومعلوم أن أصل مرج «الخلط والمروج الاختلاط، يقال مرج أمرهم اختلط ومرج الخاتم في أصبعي فهو مارج (11) » وهو أصل مستمد، كما لا يخفى، من معناه في لغة خثعم.
6) مفردة «صغت» الموجودة في الآية 4 من سورة التحريم التي جاء فيها: «ان تتوبا إلى الله فقد صغت قلوبكما وان تظاهرا عليه فإن الله هو مولاه وجبريل وصالح المومنين والملائكة بعد ذلك ظهير» ومعناها بلهجة هذه القبيلة «مالت» وهي موجودة بنفس المعنى في قوله تعالى: «ولتصغى إليه أفئدة الذين لا يومنون بالآخرة (12)» أي يميلون بأسماعهم نحو رسول الله صلى الله عليه وسلم. وفيه خلاف أما الجوهري (13) فيجعله من باب عدا ورضي ليس غير، وأما المختار فيقول: مال، وبابه عدا وسما، ورمى، وصدى.
7) كلمة «سجرت (14)» «وإذا البحار سجرت» كما وردت بنفس المعنى في قوله تعالى: «الحميم ثم في النار يسجرون (15)» وفي قوله: «والبحر المسجور إن عذاب ربك لواقع (16)» ومعناها بلغة خثعم جمعت.
قبيلة مذحج
اتفق الجميع أصحاب المطولات اللغوية والجغرافيون والمؤرخون والنسابون على أن مسكن مذحج الأصلي هو اليمن (17).
أما وزنها فعلى مسجد (18) وأكد سيبويه أن الميم من أصل الكلمة، ومنهم من رأى أن دالها غير معجم.
أما سبب تسمية هذه القبيلة بمذحج فالمشهود عند العارفين بالأنساب أن جدهم مالك بن أدد بن زيد ازداد على أكمة كانت تعرف بمذحج فسمي باسمها.
ويظهر أن خلقا كبيرا منهم استوطن في عصر قديم حضر موت ويقول المؤرخون أن تلبتهم في الجاهلية إذا حجوا، كانت: «لبيك رب الشعرى، ورب اللات والعزى».
وصنمهم المشهور هو يغوث المذكور، مع أصنام جاهلية أخرى في الآية 23 من سورة نوح: «وقالوا لا تذرن آلهتهم ولا تذرن ودا ولا سوعا ولا يغوث ويعوق ونمرا».
ويذكر بعض المفسرين أن يغوث كان على صورة أسد، ويظهر أن عبادته بدأت من زمن نوح، وبقي معبودا حتى ظهور الإسلام.
ومن ألد أعداء هذه القبيلة أبناء عامر بن صعصعة الذين حاربوها محاربة لا هوادة فيه وقت ظهور الإسلام.
ولقد انتقل خلق كبير منهم في العهود الإسلامية الأولى إلى البصرة حيث كان لهم فيها النفوذ القوي.
شاركت هذه القبيلة في القرآن الكريم بستة ألفاظ وزعت فيه على الشكل الآتي:
1 – مفردة: «رفت» الموجودة في الآية 187 من سورة البقرة. جاء فيها: أحل لكم ليلة الصيام الرفث إلى نسائكم هن لباس لكم وأنتم لباس لهن، علم الله أنكم كنتم تختانون أنفسكم فعفى عنكم فالآن باشروهن، وابتغوا ما كتب الله لكم، وكلوا واشربوا حتى يتبين لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الفجر ثم أتموا الصيام إلى الليل» الآية.
والرفث هو اللفظ الوحيد المستعمل في القرآن الكريم الدال على القبح في هذا المعنى، وقد اتفق على هذا عدد كبير من المفسيرين (19) وبينوا أن الحق سبحانه وتعالى استعمل لهذا المعنى في آيات أخرى كثيرة ألفاظا مختارة ك: «أفضى بعضكم إلى بعض» (الآية 21 من سورة النساء) و «فلما تغشاها» (الآية 189 الأعراف) و «باشروهن» (الآية 187 من سورة البقرة) و «أو لامستم النساء» (الآية 43 النساء) و «دخلتم بهن» (الآية 23 النساء) و «فآتوا حرثكم» (الآية 323 البقرة) و«من قبل أن تمسوهن» (الآية 227 البقرة) و «فما استمتعتم بهن» (24 النساء) و «لا تقربوهن» (22 البقرة).
واعتقد ان الحق سبحانه وتعالى استعمل هذا اللفظ الخشن، اللفظ الدال على القبح، استهجانا لهم لما وجد منهم قبل الإباحة (20)، وقد وردت هذه المفردة مرة أخرة في السورة نفسها الآية 197. ومعناها بلغة مذجح: جماع.
ولا بد أن أشير إلى أن هذه اللفظة لم ترد إلا مرة واحدة في القرآن.
3 – لفظة «ظاهر» الآية 33 من سورة الرعد التي جاء فيها: «أفمن هو قائم على كل نفس بما كسبت وجعلوا لله شركاء قل سموهم أم تنبئونه بما لا يعلم في الأرض أم بظاهر من القول بل زين للذين كفروا مكرهم وصدوا عن السبيل ومن يضلل الله فما له من هاد» ومعناها بلغة مذحج «كاذب» والملاحظ أن الراغب الأصفهاني أغفل عن هذه اللفظة فلم يشر إليها في كتابه: «المفردات في غريب القرآن».
4- كلمة: «وصيد» الموجودة في الآية 18 من سورة الكهف التي جاء فيها: «وتحسبهم أيقاظا وهو رقود ونقلبهم ذات اليمين وذات الشمال وكلبهم باسط ذراعيه بالوصيد لو اطلعت عليهم لوليت منهم فرارا ولملئت منهم رعبا» ومعنى الوصيد بلغة مذحج الفتاء. وذهب كثير من المفسرين (23) أن معناها المقفلة وعززوا قولهم بالآية: «عليهم نار موصدة».
5- مفردة: «كيت» الكائنة في الآية 5 من سورة المجادلة التي يقول فيها سبحانه وتعالى: «ان الذين يحادون الله ورسوله كبتوا كما كبت الذين من قبلهم وقد أنزلنا آيات بينات وللكافرين عذاب مهين».
ومعناها بهذه اللغة «لعن» ومن نزلت عليه لعنة الله فهو هالك لا محالة. وقال الراغب الأصفهاني: «الكبت: الرد بعنف وتذليل» وعزز تفسيره بقوله تعالى: «ليقطع طرفا من الذين كفروا أو يكبتهم فينقلبوا خائبين» (24).
6- كلمة: «الخرطوم» اعتقد عدد كبير من المفسرين والمهتمين بلغة القرآن أن هذه اللفظة من لغة مذحج (25) وليس ببعيد أن تكون هذه المفردة ظهرت أول ما ظهرت في مذحج بعد ان تسربت إليها من اللغة الآرامية أو لعلها ثبتت وانتشرت في هذه القبيلة أكثر مما ثبتت وانتشرت في القبائل العربية الأخرى، الأمر الذي جعل هؤلاء المهتمين يحسبونها مذحجية، وهي في الآرامية «Hartoûmo» بمعنى الألف (26).
وتوجد هذه المفردة في الآية 16 من سورة القلم التي يقول فيها الحق سبحانه وتعالى: «سنسمه على الخرطوم» وفي كلمة الخرطوم ما فيها من الاستخفاف والاستهانة بالكافر المجرم.
[divider style=”dotted” top=”20″ bottom=”20″]
1) الاعلام لخير الدين الزركلي الجزء الثاني صفحة 344 والمراجع التي ينص عليها أسفل هذه الصفحة.
2) بلوغ الارب في معرفة أحوال العرب صفحة 194 من الجزء الثالث الطبعة الثالثة.
3) المفردات في غريب القرآن صفحة 250
4) صفحة 1955 الجزء الخامس
5) وعلى رأسهم الراغب الأصفهاني في المصدر السابق صفحة 260
6) الكشاف الجزء الثالث صفحة 254
7) صفحة 76 –
8) الكشاف الجزء الثالث صفحة 254
9) Arthur Jeffery صفحة 157
10) صفحة 196 من الجزء الثاني
11) المفردات في غريب القرآن للراغب الأصفهاني صفحة 465
12) الأنعام الآية: 113
13) الصحاح ج 6 صفحة 2400
14) سورة التكوير الآية 81
15) سورة غافر الآية 72
16) سورة الطور الآية 6
17) الصحاح ج 1 صفحة 340، المنجد في اللغة صفحة 489، الأعلام الجزء الثامن صفحة 80.
18) باتفاق جميع الباحثين إلا لويس معلوف الذي ضبطها بالفتح وهو خطأ شنيع، أما ابن خلكان فقد ضبطها بالضم في الوفيات.
19) ومن بينهم الراغب الأصبهاني الذي قال في كتابه المفردات في غريب القرآن: «الرفث كلام متضمن لما يستقبح ذكره من ذكر الجماع ودواعيه» صفحة 199.
20) الكشاف الجزء الأول صفحة 115.
21) الكشاف الجزء الأول صفحة 286
22) وقد وردت نفس هذه المعاني في كتاب «المفردات في غريب القرآن» لأبي القاسم الحسين بن محمد الراغب الأصبهاني صفحة 414.
23) منهم الراغب الأصفهاني «مفردات غريب القرآن صفحة 525» والزمخشري (الكشاف ج 11 صفحة 383) وغيرهما.
24) نفس المصدر أعلاه صفحة 420.
25) ومن بينهم أبو القاسم ابن سلام.
26) غرائب اللغة العربية صفحة 180.