لم يكن القرآن بلغة قريش فحسب …قبيلة قيس عيلان

قبيلة قيس عيلان
أما قبيلة قيس عيلان فقد شاركت هي بدورها بـ13 لفظة أتت على الشكل الآتي:
1) لفظة «فورهم» الكائنة في سورة آل عمران الآية 125. وبما أن هذه اللفظة، كما يذكره لنا المحققون من علماء اللغة، لفظة مشتركة بين قيس عيلان وهذيل وكنانة فقد سبق شرحها آن الحديث عن مفردات القبيلتين الأخيرتين(2).
2) لفظة «نِحْلة» الآية الرابعة من سورة النساء ومعناه بهذه اللهجة فريضة، وغير مستبعد أن يكون معناها الفريضة التي تؤدى عن طيب خاطر أي «آتوهن صدقاتهن راضين»، ومما يحمل على هذا التأويل آخر هذه الآية وهو: ?فَإِن طِبْنَ لَكُمْ عَن شَيْءٍ مِّنْهُ نَفْسًا فَكُلُوهُ.. ?» [النساء: 4]، فعدم الإكراه هنا يقابل طيب النفس هناك، وهذا كما نرى من المحسنات المعنوية التي نغفل عنها كثيرا.
3) «الحرج» في الآية 6 من سورة المائدة وفي مواضع أخرى كثيرة من القرآن ومعناه «الضيق».
4) لفظة «أمة» في سورة يوسف الآية 45، ومعناها بلغة قيس عيلان «نسيان»، ويقول أبو [عبيد] القاسم ابن سلام إن هذه المفردة مشتركة بين قيس عيلان وتميم. واللفظة التي تهمنا هنا هي «أُمّة» بضم الهمزة بعدها ميم مشددة بالفتح، ولقد أجاد من قرأها بفتح الهمزة وتخفيف الميم بالفتح، وأعتقد أنها قراءة ابن عباس، واستشهد الجوهري(3 ) لهذا الوجه الأخير بقول الشاعر:
أَمِهْت وكنت لا أنسى حديثا كذاك الدهر يؤدي بالعقول
وقد قرأها الأشهب العقيلي بكسر الهمزة وتشديد الميم بالفتح، ومعنى إمة هذه النعمة، كما في بيت عدي الذي أورده الزمخشري حين تفسيره لهذه الكلمة:
ثم بعد الفلاح والملك والإمـ ـة وارتهم هناك القبور
وقد تقرأ بسكون الميم وهي قراءة فاسدة، لا معنى لها، كما أنها وردت بفتح الهمزة وكسر الميم في الحديث الزهري، وقالوا إن معناها « أقر وأعترف»، واكتفوا بأن حكموا عليها بأنها «لغة غير مشهورة»(4) وكان بودنا لو أخبرونا عن هذه اللغة، ولماذا هي غير مشهورة.
5) مفردة «تفندون» في قوله تعالى : ?وَلَمَّا فَصَلَتِ الْعِيرُ قَالَ أَبُوهُمْ إِنِّي لَأَجِدُ رِيحَ يُوسُفَ لَوْلاَ أَن تُفَنِّدُونِ?الآية 94 من سورة يوسف. ومعناها بلغة هذه القبيلة «تستهزئون»، والملاحظ أنها لم ترد إلا مرة واحدة في القرآن الكريم، وهي من الفند بالتحريك، وهو ضعف الرأي من هرم؛ ولا يقال في اللغة العربية إلا للرجل العجوز، أما المرأة العجوز فلا يجوز أن يقال إنها مفندة، لأنه لم يكن لها رأي حصيف ذات يوم فيقع تفنيدها في هرمها.، وهذا شيء ناتج عن عدم اعتبار رأي المرأة في الجاهلية.
6) لفظة «صياصيهم» في قوله تعالى : ?وَأَنزَلَ الَّذِينَ ظَاهَرُوهُم مِّنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مِن صَيَاصِيهِمْ وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ، فَرِيقًا تَقْتُلُونَ وَتَأْسِرُونَ فَرِيقًا? الآية 26 من سورة الأحزاب، ومعناها بلغة هذه القبيلة «حصونهم»، ولم ترد هذه الكلمة إلا مرة واحدة في القرآن الكريم، ولا بد أن هذا يدل على غرابتها.
ولم يذكر الجوهري في صحاحه مفرد هذه اللفظة، بل اكتفى بالقول «والصياصي: الحصون».
ومعلوم أن لهذه اللفظة في الإفراد صيغتان: صيصة وصيصية، بكسر الصاد فيهما معا.
أما الأب Belot فقد أشار إليها في قاموسه المعنون بـ«الفوائد الدرية في اللغتين العربية والفرنسية(5)» بعلامة تدل على أن هذه المفردة دخيلة على اللغة العربية الفصيحة، وأنها لا تنتسب إلى أية لهجة من لهجات قبائل العرب.
ونحن مضطرون أن نؤيده في رأيه هذا، رغم أن المهتمين من علمائنا القدماء، رحمة الله عليهم، ذكروها من بين ألفاظ لهجة قيس عيلان(6).
ذلك أن الحجة القاطعة قامت الآن على أن هذه اللفظة آرامية الأصل؛ وينطق بها Seso بتفخيم السينين حتى يتولد منها صاد، وتكتب في للغتها الأصلية ƒƒ? وتعني في الآرامية الشوكة في مؤخر رجل الديك.
ويؤسفني جدا أن أقول إن الجوهري أخطأ حين فتح الصاد الأولى من هذه اللفظة، وحقها الكسر، للسبب البسيط، وهي أنها مكسورة في الأصل الآرامي، سيما وأن الكسر أخف هنا بكثير من الفتح تليه ياء ساكنة(7).
ويؤسفني كذلك أن أرد على بعض علماء اللغة، ومن بينهم ابن بري الذين يرون أن تذكر هذه اللفظة في المعتل، ظنا منهم أن لامها ياء لا صادا، ولو كانت من المعتل باللام لكتبت وقرئت في الآرامية بالواو. وعلى هذا الشكل [رموز آرامية] ولكنها لم تكتب أبدا، وإذا كنت أثبتها من بين ألفاظ لهجة قيس عيلان فلأني أعتقد، مع علمائنا القدماء أنها دخلت أول ما دخلت لقبيلة قيس عيلان، التي أذاعتها في القبائل الأخرى. والله أعلم.
7) كلمة «أواب» ومعناها بلغة قيس عيلان المطيع، وجدير بالملاحظة أن ننبه أن هذه المفردة ذكرت بنفس الصيغة أربع مرات في سورة واحدة وهي «ص» في الآيات 17-19-30-44.
ولقد وردت مرة أخرى في كتاب الله على هذه الصيغة «للأوابين» في الآية ?إِن تَكُونُواْ صَالِحِينَ فَإِنَّهُ كَانَ لِلأَوَّابِينَ غَفُورًا?، الآية 25 من سورة الإسراء، ولقد سبق أن ذكرت أن هذه المفردة مشتركة بين ثلاث قبائل هي هذيل(8) وكنانة(9).
8) كلمة «رحيم» في الآية 36 من سورة آل عمران ومعناها بلغة قيس عيلان «ملعون» وقد كررها الحق سبحانه وتعالى في آيات كثيرة وبصيغ مختلفة.
9) مفردة «يلتكم» في قوله تعالى: ?قَالَتِ الْأَعْرَابُ آمَنَّا قُل لَّمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِن قُولُوا أَسْلَمْنَا وَلَمَّا يَدْخُلِ الْإِيمَانُ فِي قُلُوبِكُمْ وَإِن تُطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ لَا يَلِتْكُم مِّنْ أَعْمَالِكُمْ شَيْئًا إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ? الآية 14 من سورة الحجرات، ومعناها بلغة قيس عيلان «ينقصكم».
ولقد نسب الزمخشري هذه اللفظة إلى أهلها فقال: «وهي لغة غطفان ولغة أسد وأهل الحجاز: لاته ليتا»، أما غطفان وأسد فيرى أن لغتهما «ألته السلطان أشد الألت» وأما أهل الحجاز فيرى أنهم( 10) يقولون لات ليتا، أما صاحب الصحاح( 11) فيرى أن «ألاته مثل ألته» نقلا عن الفراء الذي استشهد ببيت لعدي بن زيد:
ويأكلن ما أعني الوليّ فلم يَلِتْ كأن بحافات النِّهاء المزارعا
ويحكي لنا الأصمعي أنه سمع أم هشام السلولية تقول: «الحمد لله، لا يفات، ولا يلات، ولا تصمه الأصوات»، ولقد قرأها أبي بن كعب، المتوفي سنة 29 هجرية «يألتكم»(12).
10) مفردة «الخراصون» في الآية 10 من سورة الذاريات، ومعناها بلغة قيس عيلان «الكذابون» وهي مذكورة خمس مرات في القرآن الكريم؛ في الأنعام الآيات 116 و148، في يونس الآية 66، في الزخرف الآية 20، وهنا في الذاريات، ويقول بعض علماء اللغة إنها كنانية أيضا.
11) مفردة «المهيمن» في الآية 23 من سورة الحشر، وفي الآية 48 من سورة المائدة، ويزعم علماؤنا الأقدمون أن هذه المفردة من قيس عيلان، ولهذا أدمجتها هنا، وإن كانت الحجة قد توفرت الآن لدي على أنها من اللغة الآرامية، لا من لهجة قبيلة قيس عيلان، وهم ينطقون بها في اللغة الآرامية على هذا الشكل or Haiman وتكتب وتقرأ [رموز آرامية]. ومعناها: «صار رقيبا على الشيء ومؤتمنا عليه».
ولمفسري وشراح هذه اللفظة مذاهب كثيرة؛ فجلال الدين محمد بن أحمد المحلي وجلال الدين عبد الرحمن بن أبي بكر السيوطي(13) يجعلانها من مادة هيمن يهيمن، فتكون إذن رباعية، وجميع حروفها أصلية.
أما الزمخشري(14) فيزنها على مفيعل؛ فتكون الحروف الأصلية في هذه المادة هي الهاء، والميم، والنون، ويخبرنا أن هذه الهاء منقلبة عن همزة، فتكون والحالة هذه المادة الأصلية هي أمن، ويوافق الزمخشري في هذا التفسير الجوهري حيث يجعلها تحت مادة همن، ويشرح إبدالها شرحا مفصلا حيث يقول(15): «المهيمن» الشاهد وهو من آمن غيره من الخوف، وأصله أأمن فهو مؤأمن بهمزتين قلبت الهمزة الثانية ياء كراهة لاجتماعهما، فصار مأيمن، ثم صيرت الأولى هاء، كما قالوا : «أراق الماء وهراقه».
12) لفظة «الغُلب» في قوله تعالى: «وحدائق غلبا» الآية 30 من سورة عبس، ومعناها بلغة قيس عيلان الملتفة، ولو أفردنا لقلنا حديقة غلباء، والمقصود بهذا كما قال المفسرون هو أنها حدائق كثرت أشجارها وتكاثفت، وعظمت.
13) مفردة «خاسرون» في الآية 14 من سورة يوسف، ومعناها «مضيعون» وهي مكررة في عدة آيات من القرآن الكريم.
[divider style=”dotted” top=”20″ bottom=”20″]
1-اليعقوبي الجزء الأول صفحة 212 ـ التاج جزء 4 صفحة 2227 ـ نهاية الأرب صفحة 327 ـ معجم قبائل العرب صفحة 972 ـ الإعلام الجزء 6 صفحة 59.
2- دعوة الحق العدد الثاني شعبان 1385 صفحة 64 بالنسبة لقبيلة هذيل العدد الخامس من نفس المجلة لشهر ذي القعدة 1385 صفحة27 بالنسبة لقبيلة كنانة
3-الصحاح الجزء السادس صفحة 2224.
4-الصحاح نفس الصفحة السابقة.
5- Belot تحت مادة ـ صيص ـ
6-يوجد من بين هؤلاء العلماء، العلامة أبو [عبيد] القاسم بن سلام الذي جعلته المرجع الأساسي في بحثي المتواضع هذا، والإمام جلال الدين الأسيوطي في كتابه الإتقان في علوم القرآن صفحة 136 الجزء الأول طبعة القاهرة سنة 1368ه.
7-الصحاح الجزء الثالث صفحة 1044.
8- دعوة الحق العدد الرابع السنة التاسعة صفحة 17.
9- نفس المصدر العدد الخامس السنة التاسعة صفحة 29.
10-الكشاف الجزء الرابع صفحة 17.
11-الصحاح. الجزء الأول صفحة 265.
12- Materials for the history of the text of the Quran, par A. Jettery صفحة 166 من طبعة Leiden 1937.
13- تفسير القرآن العظيم ص 235 الجزء الثاني طبعة القاهرة بدون تاريخ.
14-الكشاف ص 85 من الجزء الرابع.
15-الصحاح الجزء السادس صفحة 2217.