القرآن الكريم

لم يكن القرآن بلغة قريش فحسب … (قبيلة كنانة)

قبيلة كنانة
لقد أحصيت 29 لفظة كنانية في القرآن الكريم عدا ما لم أتنبه إليه. وهذه الألفاظ هي:
1- لفظة «الخاسئين» في قوله تعالى، ولقد علمتم الذين اعتمدوا منكم في السبت فقلنا لهم كونوا خاسئين. سورة البقرة الآية 64.
واعتقد أن معناها صاغرين في هذه اللغة، لان الخلاف حول معناها شديد جدا. فالزجاج يظن أن معناها مبعدين، بينما جمهور الشراح على أن معناها مدحورين. ويخيل إلى أن الزجاج يعطي لهذه المادة «خسا» معنى واحد هو التباعد إلا في لفظة واحدة سأذكرها بعد قليل. فقد شرح قوله تعالى: قال اخساوا فيها ولا تكلمون ب:«تباعدوا فيها» وشرحه هذا يوافق معنى الحديث: خسات الكلب أي أبعدته، واللفظة التي أعطاها الزجاج معنى آخر غير التباعد هي «خاسئا» في قوله تعالى:«ينقلب إليك البصر خاسئا وهو حسير» وقد شرحها رحمه الله ب «صاغرا» ونظرا لهذا الإجماع فضلت أن يكون معنى خاسئين التي نحن بصدد الكلام عنها:«صاغرين».
2- كلمة «شطر»: الكائنة في سورة البقرة الآية 144 ومعناها التلقاء والنحو.
3- مفردة «حصور»: من سورة آل عمران الآية 39 ومعناها بهذه اللغة:«الذي لا حاجة له في النساء» هذا عندي هو المشهور، أما ما ذهب إليه بعض الشراح، وهم كثيرون، فضعيف لا اعتز به، إلا أن يظهر لي دليل قاطع على صدق زعمهم وبطلان ما أرجحه، وفي انتظار هذا فشرحهم كلمة حصور الكنانية بقولهم، هو الذي لا يدخل مع القوم في المسير ضعيفة. ولقد اعتقد كثير من الشراح على الشعر العربي لتفسير هذه اللفظة، وهم يقدمون في ذلك قول الأخطل:
وشـارب مربـح بالكـأس نادمنـي
لا بالحصـور ولا فيهــا بسئـــار
ويفسر شراح هذا البيت لفظة الحصور بأنه «الرجل الذي يمنع نفسه من الدخول على القوم فيس لعب المسير».
ولكن هذا إذا كان صحيحا، فهو معنى لاحق، أما نحن فنعطي للكلمات معناها الأول في لغتها الأصلية، ولا يهمنا بعد ذلك ما آلت إليه المفردة، بعد أن دخلت لغة قريش، وأخضعتها لناموس قواعد اللغة العربية واشتقاقاتها.
4- أما لفظة «تدخرون» في الآية 49 من سورة آل عمران فالخلاف فيها قائم على أشده. ولكنهكم يكادون يتفقون جميعا على أنها أن قرئت مثقلة فتميميا، وإما أن قرئت مخففة فكنانية، ولهذا ادمجناها هنا. والملاحظ أن هذه اللفظة كتبت بدال مهملة في جميع المصاحف التي بيدي وقواميس ألفاظ القرآن الكريم التي رجعت إليها.
لكن الإمام الزمخشري يعلق عليها لعلقا خفيفا فيقول: وقرئ تدخرون بالدال والتخفيف، وهو تعليق بسيط لا يشفي الغليل، ولم يعودنا على مثله الإمام جار الله، وهو ما هو من إتقان اللغة العربية والبحث عن غوامضها والغوص إلى أعماقها. والظن عندي أن هذه المفردة لم تنل ما كانت تستحقه من بيان عند الشراح والمفسرين ولكتابتها بدال مهملة لو بذال معجمة وجوه، ولابد أن يختلف معناها في إحدى هذه الوجوه على الأقل، فان قدرنا إنها لما دخلت لغة قريش بهذا المعنى الذي اشرنا إليه سابقا والذي لا زالت تعرف به حتى كتبت بدال مهملة فرسمها الآن في مصاحفنا على هذا الشكل الذي توجد عليه لا يكون مشكلا ذا بال، إذ نعرف أن وزن افتعال حينما تكون فاؤه دالا، أو زايا أو ذالا فان التاء الزائدة تقلب دالا، فيجتمعا مثالان ويقع الأدغال، وهذا هو سر تدخرون المثقلة، وهي كما يقول بعض المتهمين بهذا الأمر، تميمية لا كنانية، أما أنا فاستبعد دخول هذه المفردة إلى اللغة العربية الفصيحة بدال مهملة كما سبق أن بينت أعلاه، لان دخر بهذا الرسم لها معنى لآخر غير الذي تقصد إليه الآية الشريفة وهوة الذل والصغار. ولهذا استبعده كل البعد. فلم يبق إلا ذخر بدال معجمة. وإذا كان الأمر كذلك، فيحق لسائل أن يسال: ولماذا إذن، والحال هذه، كتبت تدخرون بدال مهملة في جميع المصاحف المشهورة؟ والجواب عن هذا السؤال بسيط للغاية. فتاء افتعل قلت دالا مهملة لان فاء الفعل ذال، وهم في هذه الأحوال يتبعون طريقتين، أما أن يحولوا الدال المنقلبة عن التاء ذالا معجمة، ثم يدغمونها في الذال الأصلية، فتصير تذخرون بدال معجم.
وقليل ما اختاروا هذا الطريق، وأما أن يقلبوا تاء افتعل دالا مهملة ثم يحولون الذال الأصلية إلى دال مهملة أيضا، فيجتمع المثالان ويقع الأدغال وهذا هو المشهور عندهم.
ويخيل إلي انه يكاد يكون مطردا. ويعزز ذلك ما جاء في القرآن الكريم على هذا الشكل وجميعه مهمل، كما في الآية 45 من سورة يوسف قال تعالى:«وقال الذي نجا منهما واذكر بعد امة أنا أنبئكم بتأويله فارسلون» واصلها إذ تكر ثم قلبت إلى إذ ذكر ثم إلى إذ ذكر ثم إلى اذكر.
ولفظة مذكر الموجودة ست مرات في ست آيات من سورة القمر.
5- «خلاق» ومعناها بلغة كنانة نصيب وتوجد في الآية 77 من سورة آل عمران التي يقول فيها عز وجل: «إن الذين يشترون بعهد الله وإيمانهم ثمنا قليلا أولئك لا خلاق لهم في الآخرة ولا يكلمهم الله يوم القيامة ولا يزكهم ولهم عذاب اليم».
6- «فورهم» :الكائنة في سورة آل عمران الآية 125 والتي كانت تدل في لغة كنانة على الوجه ويقال إنها كانت مستعملة بهذا المعنى عند هديل وقيس غيلان أيضا. ولا شك أن معناها لم يتغير بمرور القرون، فهي تدل الآن في اللغة العربية الفصيحة على الحالة التي لا ربت فيها ولا تعريج، كأنه لم يجد الوقت ليدبر وجهه لشيء آخر غير الذي هو بصدده، وهذا دال على السرعة.
7- كلمة «مبلسون» ومعناها آيسون من كل خير، الآية 44 من سورة الأنعام. شرحها الزمخشري بقوله «واجمون» متحسرون «آيسون»« وسأتعرض لها ولأخواتها بشيء من التفصيل في رقم 18. ولا ادري لماذا أصررت على توزيعها.
8- «تهنوا» : الموجودة في سورة آل عمران أيضا، الآية 139. ومادتها الأصلية في اللغة العربية وهن ومعناها بلغة كنانة تضعفوا ولكن قريش شاركتها في هذا المعنى أيضا. ولها نفس المعنى في الآيات الأخرى. وهن العظم مني واشتعل الرأس شيبا فلا تهنوا وتدعوا إلى السلم».
9- لفظة «ملوكا» في الآية 20 من سورة المائدة ومعناها أحرارا.
10- «قبلا» : بكسر القاف وفتح الباء لغة كنانية ومعناها بهذا اللهجة عيانا. أما من قراها بضم القاف والباء يكون أعطاها معنى فوجا، ويكون قراها بلغة تميم. وهي موجودة في الآية 111 من سورة الأنعام. وقد وردت هذه اللفظة بالقراءتين في سورة الكهف الآية 55 وبالمعنيين المذكورين أيضا. ويجوز قراءتها بفتحتين أن أريد إعطاؤها معنى «مستقبلا» أي يأتيهم العذاب مستقبلا. فانظر إلى خفة هذه اللغة وجمالها، لله درها.
11- «معجز» في الآية: فسيحوا في الأرض أربعة أشهر، واعلموا أنكم غير معجزي الله وان الله مخزي الكافرين. وهي الآية الثانية من سورة التوبة. ومعناها «سابقا» بلغة كنانة. وكل لفظة مشتقة من هذه المادة فهي كنانية.
12- «يعزب» في قوله تعالى:«وما يعزب عن ربك من منقال ذرة في الأرض ولا في السماء» وهي كائنة في سورة يونس الاية61. واللفظة موجودة أيضا في سورة سبا الآية 3، وكلها بمعنى يغيب كما هو معروف عندنا الآن في اللغة العربية الفصيحة.
13- كلمة «تبتئس» في سورة هود، الآية 36 التي يقول فيها الحق سبحانه:«وأوحي إلى نوح انه لن يومن من قومك إلا من قد آمن، فلا تبتئس بما كانوا يفعلون» ومعناها تحزن، كما وردت بهذا المعنى أيضا في الآية 69 من سورة يوسف.
14- «ولا تركنوا» معناها بلغة كنانة لا تميلوا الكائنة في السورة هود الآية 113. وتقرا عند جمهور القراء بفتح التاء اوضمها مع فتح الكاف وقد قراها أبو عمرو رضي الله عنه بكسر التاء على لغة تميم، وعندي أن قراءتها بفتح التاء أفضل لك أن من قراها بكسر التاء ظن أنها تميمية ولم تقم لحد الساعة الحجة إلا على أنها كنانية، ولم يصلني إنها تميمية قط، ولهذا كنت مضطرا، عفا الله عني أن أخالف هذا الشيخ الجليل، الوقور، الثقة.
وهذا الميل الذي ينص عليه معناها هو ميل خفيف لا يظهر للمتأمل إلا بالسبر الطويل، والبحث المتاواصل، ومع ذلك نهي الحق سبحانه عباده أن يميلوا ولو بهذه الصفة التي أشرت إليها، إلى الذين ظلموا، مخافة أن يمسهم النار ثم لا ينصرون.
قال الزمخشري موضحا ذلك: وتأمل قوله «ولا تركنوا»، فان الركون هو الميل اليسير. وقوله «إلى الذين ظلموا» أي إلى الذين وجد منهم الظلم، ولم يقل إلى الظالمين».
ولقد أعطتنا هذه المادة كلمات أخر في القرآن الكريم، جاء اثنان منها في سورة هود وثالثة في سورة الإسراء الآية 74 ورابعة في سورة الذاريات الآية 39.
15- «السرابيل» سربال ومعناه بهذه اللغة الدرع الواقي من البأس، سورة النحل الآية 81. ويخيل إلى أن هذه المفردة صارت لما دخلت لغة قريش تعني كل ما بقي من البأس أو البرد أو الحر ويوضع على الجسد. ولهذا شرح الزمخشري في كشافه واحمد المحلي وأبو بكر السيوطي السرابيل الأولى في الآية بالئياب والقمصان من الصوف والكتان. والجدير بالذكر هنا أن الشيخ محمد عليان المرزوقي، صاحب الحاشية المشهورة على تفسير الكشاف يأخذ على الزمخشري سكوته، آن شرحه لهذه المفردة عن القبيلة التيس تستعمل عادة سرابيل في لهجتها، ولهذا رأيناه يضيف على الشرح السابق:«يعني عند العرب، وخصوصا قطان الحجاز، وهم الأصل في هذا الخطاب». ورغم أن الآية قرئت على أعرابي واحد كما أخرجه ابن أبي حاتم عن مجاهد، إلا أن الخطاب موجه حقيقة في أصله وفعله إلى العرب جمعاء، بل إلى البشرية كافة لان الناس كلهم، إلا من اخذ الله بيده يعرفون نعمة الله ثم ينكرونها.
16- «فجوة» في سورة الكهف الآية 17 ومعناها الناحية بلغة كنانة.
17- «الضد» في الآية 82 من سورة مريم:«كلا سيكفرون بعبادتهم ويكونون عليهم ضدا». ومعناه في لغة كنانة العدو والخصم.
18- لفظة «الابلاس» الموجودة خمس مرات في القرآن الكريم.
أ‌- في الأنعام، الآية 44:«فلما نسوا ما ذكروا به فتحنا عليهم أبواب كل شيء، حتى إذا فرحوا بما أوتوا أخذناهم بغتة فإذا هم مبلسون» وقد سبقت الإشارة إليها في رقم 7.
ب‌- في المؤمنون الآية 77:«حتى إذا فتحنا عليهم بابا ذا عذاب شديد إذا هم فيه مبلسون»
ج‌- في الروم، في آتين الأولى 12 «يوم تقوم الساعة يبلس المجرمون». الثانية 49:« وان كانوا من قل أن ينزل عليهم من قبله لمبلسين».
د‌- في الزخرف- الآية 75«لا يفتر عنهم وهم فيه مبلسون» وجميعها كنانية بمعنى اليأس من الخير والسكوت والانكسار غما وحزنا، وقد دخلت هذه المفردة للغة العربية واستعملت فيها استعمالا واسعا في الشعر والنثر، ليس هذا مكان بسط القول فيها.
19- «السرد» اسم جامع للدروع بلغة كنانة الآية 11، سورة سبا التي يقول فيها سبحانه:«وقدر في السرد» وقد شرحها ابن منظور في كتابه لسان العرب بقوله:«هو إلا يجعل المسمار غليظا والثقب دقيقا فيفصم الحلق، ولا يجعل المسمار دقيقا والثقب واسعا فيتقلقل أو ينخلع أو يتقصف اجعله على القصد وقدر الحاجة». وهو كلام جميل كما ترى.
20- كلمة «دحور» في الآية 9 من سورة الصافات، ومعناها الطرد بهذه اللغة.
21- «أو» الموجودة في الآية 147 من سورة الصافات:«أرسلناه إلى مائة ألف أو يزيدون» كنانية ومعناها بل.
22- «أواب» سورة ص الآيات 17، 19، 30، 44 سورة ق الآية 32 ومعناها بهذه اللغة المطيع. ولم تكن هذه اللفظة مقتصرة على لغة كنانة فقط، بل كانت مستعملة بهذا المعنى ذاته في لغة هذيل وقيس غيلان.
23- «بركنه». لقد سبقت الإشارة لهذا المادة في الرقم 14 من هذه الحلقة، وقلت هناك أنها تفيد معنى الميل بالشكل الذي بينته، غير أن هذه اللفظة في هذه الآية 39 من سورة الذاريات:«فتولى بركنه وقال ساحر أو المجنون»قد يكون لها ، أو على الأقل، خيل إلي أن لها في هذه اللغة معنى آخر دقيقا، وجبت الإشارة تاليه، وهذا المعنى هو الرهط من أنصاره وجنوده ومؤيديه. وقد شرح المفسرون هذه المفردة شروحا مختلفة، وفقوا في بعضها وأخفقوا في البعض الآخر، ويظهر هذا الاضطراب جليا عند القراء، فمنهم من قراها بسكون الكاف، وهي القراءة المشهورة عندنا في المغرب، ومنهم من قراها بضم الكاف، ولا أرى لها وجها.
24- كلمة «مدينين» في الآية:«فلولا أن كنتم غير مدينين» من سورة الواقعة ومعناها مبعوثين بلغة كنانة يزعم الشراح القدماء أن هذه المفردة مستعملة أيضا في لغة حمير بمعنى «محاسبين».
25- لفظة «آسفارا» في الآية 5 من سورة الجمعة ومعناها كتبا.
26- كلمة «اقتت» في الآية 11:«وإذا الرسل اقتت» سورة المرسلات، ومعناها جمعت في هذه اللغة.
27- «سفرة» الآية 15 من سورة عبس. ومعناها كتبة، وهي من نفس المادة التي أشرت لها في الرقم 25 من هذه الحلقة. جاء في الصحاح: أن مفرد سفرة سافر، ككافر كفرة.
28- «الثاقب» في الآية:«النجم الثاقب» وقم 3 من سورة الطارق، ومعنى هذه اللفظة في لغة كنانة المضيء.
29- «كنود» في الآية 6:«إن الإنسان لربه لكنود» سورة العاديات ومعناها كفور للنعم.
قال الكندي الكنود بلسان كندة العاصي، وبلسان بني مالك، البخيل، وبلسان مضر وربيعة الكفور.
هذه الألفاظ الكنانية المستعملة في القرآن الكريم، ومن الجائز جدا أن أكون قد أغلفت منها كلمات أخر فالقرآن بحر يصعب على من كان ضعيفا مثلي أن يلج غماره دون أن يقع في الزلل. لكن حسبي إنني حاولت، بنية خالصة، تصنيف هذه الدور التي كانت حتى اليوم مبعثرة، مشتتة في أمهات يصعب الرجوع إليها.
والله ولي التوفيق.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

لا نستخدم اعلانات مزعجة ، لطفاً يرجى تعطيل مانع الاعلانات ظهور الاعلانات يساعد موقعنا على الاستمرار وتغطية التكاليف