هجرة أبو سلمة رضي الله عنه .. عبر ومواعظ

أبو سلمة بن عبد الأسد بن هلال بن عبد الله بن عمر بن محزوم، هو أول من هاجر إلي المدينة من أصحاب رسول الله صلي الله عليه وسلم، بحسب قول ابن اسحاق، وكان الشرف لبني مخزوم ليكون أول المهاجرين من قريش منهم، وقد هاجر إلي المدينة قبل بيعة العقبة الثانية بعام، وقدم علي رسول الله مكة من الحبشة، فلما ذاق الأمرين من قريش وعرف عن اسلام الانصار خرج إلي المدينة.
ولهجرة أبو سلمة معاني سامية عديدة لذا سنقرأ في سيرة هجرته اليوم.
لماذا هاجر أبو سلمة إلي المدينة؟
بعد بيعة العقبة الثانية في ذي الحجة من العام الثالث عشر من البعثة، فهم أبو سلمة رضي الله عنه، كان هو وزوجته أم سلمة من العائدين من هجرة الحبشة بعد تعنت كبير من قادة مكة وقادة قومهم من بني خزيم، فقد اشتد الموقف سوءاً بعد وفاة أبو طالب والذي كان يدخل أبو سلمة في إجارته من أبو جهل زعيم قريش، حيث لم يجد من يجيره فقرر الرحيل إلي يثرب، وخاصةً بعد علمه بوجود مسلمين هناك بعد البيعتين.
وكانت يثرب هي الاختيار الأمثل للهجرة بعد عودته من الحبشة، وذلك لعدة أسباب منها:
1- قرب المسافة بين يثرب وبين مكة والرسول “ص”.
2- أن يثرب من العرب فستكون الطباع واللغة واحدة.
3- وجود مسلمين آمنوا بالله وبالرسول وبذلك يضمن الإعانة علي الطاعة.
4- وجود صديق في يثرب وهو مصعب بن عمير رضي الله عنه والذي أوكل إليهم الرسول مهمة تعليم أهل المدينة الاسلام.
كيفية هجرة أبو سلمة إلي المدينة؟
كانت قصة هجرته مأسوية جداً، حيث تعرضت أسرته لأذي شديد، حيث حكت عنها أم سلمة زوجته قائلة “لَمَّا أَجْمَعَ أَبُو سَلَمَةَ الْخُرُوجَ إلَى الْمَدِينَةِ رَحَلَ لِي بَعِيرَهُ ثمَّ حَمَلَنِي عَلَيْهِ وَحَمَلَ مَعِي ابْنِي سَلَمَةَ بْنَ أَبِي سَلَمَةَ فِي حِجْرِي، ثمَّ خَرَجَ بِي يَقُودُ بِي بَعِيرَهُ، فَلَمَّا رَأَتْهُ رِجَالُ بَنِي الْمُغِيرَةِ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ بْنِ مَخْزُومٍ قَامُوا إلَيْهِ فَقَالُوا: هَذِهِ نَفْسُكَ غَلَبْتنَا عَلَيْهَا، أَرَأَيْتَ صَاحِبَتَكَ هَذِهِ، عَلاَمَ نَتْرُكُكَ تَسِيرُ بِهَا فِي الْبِلاَدِ؟ قَالَتْ: فَنَزَعُوا خِطَامَ الْبَعِيرِ مِنْ يَدِهِ فَأَخَذُونِي مِنْهُ. قَالَتْ: وَغَضِبَ عِنْدَ ذَلِكَ بَنُو عَبْدِ الأَسَدِ، رَهْطُ أَبِي سَلَمَةَ فَقَالُوا: لاَ وَاَللهِ لاَ نَتْرُكُ ابْنَنَا عِنْدَهَا إذْ نَزَعْتُمُوهَا مِنْ صَاحِبِنَا. قَالَتْ: فَتَجَاذَبُوا بُنَيَّ سَلَمَةَ بَيْنَهُمْ حَتَّى خَلَعُوا يَدَهُ وَانْطَلَقَ بِهِ بَنُو عَبْدِ الأَسَدِ، وَحَبَسَنِي بَنُو الْمُغِيرَةِ عِنْدَهُمْ، وَانْطَلَقَ زَوْجِي أَبُو سَلَمَةَ إلَى الْمَدِينَةِ. قَالَتْ: فَفُرِّقَ بَيْنِي وَبَيْنَ زَوْجِي وَبَيْنَ ابْنِي. قَالَتْ: فَكُنْتُ أَخْرُجُ كُلَّ غَدَاةٍ فَأَجْلِسُ بِالأَبْطُحِ فَمَا أَزَالُ أَبْكِي، حَتَّى أَمْسَى سَنَةً أَوْ قَرِيبًا مِنْهَا حَتَّى مَرَّ بِي رَجُلٌ مِنْ بَنِي عَمِّي، أَحَدُ بَنِي الْمُغِيرَةِ فَرَأَى مَا بِي فَرَحِمَنِي، فَقَالَ لِبَنِي الْمُغِيرَةِ: أَلاَ تُخْرِجُونَ هَذِهِ الْمِسْكِينَةَ؟ فَرَّقْتُمْ بَيْنَهَا وَبَيْنَ زَوْجِهَا وَبَيْنَ وَلَدِهَا؟!
قَالَتْ: فَقَالُوا لِي: الْحَقِي بِزَوْجِكِ إنْ شِئْتِ. قَالَتْ: وَرَدَّ بَنُو عَبْدِ الأَسَدِ إلَيَّ عِنْدَ ذَلِكَ ابْنِي. قَالَتْ: فَارْتَحَلْتُ بَعِيرِي ثمَّ أَخَذْتُ ابْنِي فَوَضَعْته فِي حِجْرِي، ثمَّ خَرَجْتُ أُرِيدُ زَوْجِي بِالْمَدِينَةِ. قَالَتْ: وَمَا مَعِي أَحَدٌ مِنْ خَلْقِ اللهِ. قَالَتْ: فَقُلْت: أَتَبَلَّغُ بِمَنْ لَقِيتُ حَتَّى أَقْدَمَ عَلَى زَوْجِي، حَتَّى إذَا كُنْتُ بِالتَّنْعِيمِ لَقِيتُ عُثْمَانَ بْنَ طَلْحَةَ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ أَخَا بَنِي عَبْدِ الدَّارِ فَقَالَ لِي: إلَى أَيْنَ يَا بِنْتَ أَبِي أُمَيَّةَ؟ قَالَتْ: فَقُلْتُ: أُرِيدُ زَوْجِي بِالْمَدِينَةِ. قَالَ: أَوَمَا مَعَكِ أَحَدٌ؟ قَالَتْ: فَقُلْتُ: لاَ وَاَللهِ إلاَّ اللهُ وَبُنَيَّ هَذَا. قَالَ: وَاَللهِ مَا لَكَ مِنْ مَتْرَكٍ. فَأَخَذَ بِخِطَامِ الْبَعِيرِ فَانْطَلَقَ مَعِي يَهْوِي بِي، فَوَاللهِ مَا صَحِبْتُ رجلاً مِنَ الْعَرَبِ قَطُّ، أَرَى أَنَّهُ كَانَ أَكْرَمَ مِنْهُ، كَانَ إذَا بَلَغَ الْمَنْزِلَ أَنَاخَ بِي، ثمَّ اسْتَأْخَرَ عَنِّي، حَتَّى إذَا نَزَلْتُ اسْتَأْخَرَ بِبَعِيرِي، فَحَطَّ عَنْهُ ثَمَّ قَيَّدَهُ فِي الشَّجَرَةِ، ثمَّ تَنَحَّى وَقَالَ: ارْكَبِي. فَإِذَا رَكِبْتُ وَاسْتَوَيْتُ عَلَى بَعِيرِي أَتَى فَأَخَذَ بِخِطَامِهِ فَقَادَهُ حَتَّى يَنْزِلَ بِي. فَلَمْ يَزَلْ يَصْنَعُ ذَلِكَ بِي حَتَّى أَقْدَمَنِي الْمَدِينَةَ، فَلَمَّا نَظَرَ إلَى قَرْيَةِ بَنِي عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ بِقُبَاءٍ قَالَ: زَوْجُك فِي هَذِهِ الْقَرْيَةِ -وَكَانَ أَبُو سَلَمَةَ بِهَا نَازِلاً- فَادْخُلِيهَا عَلَى بَرَكَةِ اللهِ. ثُمَّ انْصَرَفَ رَاجِعًا إلَى مَكَّةَ. قَالَ: فَكَانَتْ تَقُولُ: وَاللهِ مَا أَعْلَمُ أَهْلَ بَيْتٍ فِي الإِسْلاَمِ أَصَابَهُمْ مَا أَصَابَ آلَ أَبِي سَلَمَةَ، وَمَا رَأَيْتُ صَاحِبًا قَطُّ كَانَ أَكْرَمَ مِنْ عُثْمَانَ بْنِ طَلْحَة.
ومن تلك القصة نخرج بواقعية أبو سلمة في الهجرة إلي المدينة رغم التفريق بينه وبين زوجته ورغبة قبيلته في جعله يحجم علي السفر، ولكنه نظر للأمور بشكل واقعي فرأي أن زوجته ستكون بخير وكذلك أبنه، إلا ان وجوده في مكة يعني استمرار الضغط عليه، كما ان مجتمع مكة كانت الدعوة قد توقفت به، إلا ان مجتمع المدينة كان مفتوحاً ويمكن الدعوة فيه كما يشاء.
كما نري من حكي أم سلمة مقدار الكرم الذي من عليها بها عثمان بن طلحة من بني عبد الدار والذي لم يكن من دمها كما أنه كان من الكفار في حينها ولكن كانت لديه نخوة العرب، حيث ترك بلدته لما يقرب من الشهر وعاني من السفر الطويل والتعب والارهاق ومن الله عليه بالاسلام في القرن السابع الهجري وصار من أبطال الاسلام.